الدكتور جواد علي.. منهج خاص بكتابة التاريخ

ثقافة 2019/07/20
...

عبد الكناني
ألقت الدكتورة آلاء نافع جاسم التدريسية في قسم المخطوطات  بجامعة بغداد ‏محاضرة بعنوان (الدكتور جواد علي ومنهجه التاريخي) في مركز احياء التراث العلمي العربي ومحاضرتها هذه مستلة من بحث عن الدكتور جواد علي بنفس العنوان وحدثتنا الدكتورة الاء نافع على مجمل ما تضمن البحث قائلة: إن دراسة المنهجية التاريخية في العراق من الموضوعات ذات الأهمية ليس للباحثين والدارسين فحسب بل للجمهور على حدِ سواء ، فالمعرفة التأريخية ضرورة من ضرورات الثقافة الجماهيرية . وإن مدرسة العراق التاريخية جزء لا يتجزأ عن الكتابة التاريخية للأمة ، تؤثر فيها وتتأثر بها ، بل هي النواة الحقيقية لهذهِ المدرسة 
القومية .
 معرفة المنهج بأنه: “مجموعة العمليات الاستدلالية التي تستخدم في حل مشكلات العلم ، وبناء العلم نفسه في مرحلة ما من تاريخهِ” .وهو ما يعنى بالنسبة لهذا البحث أن مناهج البحث التاريخي تتطور في كل مرحلة من مراحل تطور علم التاريخ نفسه ، ومن ثم فإن هناك علاقة جدلية بين بنية العلم المعرفية ومناهج البحث في هذا العلم بحيث تناسب مناهج البحث المرحلة التاريخية في تطور العلم من جهة ، كما إنها تساعد على الانتقال لمرحلة أخرى بمناهج جديدة من
 ناحية ثانية . 
منوهة الى ان المنهج الذي سلكهُ المؤرخ العربي يمتاز بالدقة والحذر ، في نقد الروايات من خلال السند “ المورد “ وتدوين الاحداث في ضوء المنهج  والمنهج العمودي.  اذ يمكن تصنيف المناهج إلى ثلاثة أنواع  : منهج الاستدلال ، منهج التجريب ، ومنهج الاسترداد الخاص بالعلوم الأخلاقية أو التاريخية .
 
  التاريخ ليس علماً 
واضافت جاسم أن الدكتور جواد علي الذي ولد في الكاظمية ببغداد سنة 1907،  ودرس في الأعظمية في كلية الإمام الأعظم أبي حنيفة ثم أكمل دراستهُ في دار المعلمين العالية ، يعدُ من كبار المؤرخين العرب المعاصرين المتميزين، والذي يرى ان  “ التاريخ عبارة عن وجهة نظر إنسان” لهذا فكلٌ يفسر الحادث حسب رأيه،  فالتاريخ ليس رياضيات او حقيقة رياضية ، لأن كلاً يرى في التاريخ ما يريد أن يراهُ ويبحث عنهُ ، ومن هنا أيضاً فإن التاريخ ليس بعلم ، العلم يختلف . إنهُ قائم على تجربة ولهُ قواعد ولهُ منطق وقوانين ، وليس فيهِ اختلاف . لكن في التاريخ هناك وجهة نظر ، ولذلك لا يمكن أن نسميهِ علماً نستطيع أن نقول إنهُ مثل الأدب  ومثل الشعر ، إنهُ من هذهِ الفصيلة المسماة “ بالمعرفة الإنسانية “ هذا أحسن ما نُعرف بهِ التاريخ».
وحول نظرة المؤرخ للحدث التاريخي ذكرت جاسم أن الدكتور جواد علي يؤكد” أن وظيفة المؤرخ الحق هو إعادة تشكيل الحدث التاريخي كما وقع بالضبط ومن ثم كان يدرك أن تدخل العواطف وتحكم المذهبية العقائدية من أخطر الآفات التي تواجه المؤرخ «.
 
 
النظرة القسرية
وأشارت الى أن الدكتور علي استطاع امتلاك ناصية البحث العلمي بكل جدارة واستحقاق لإتباعهِ منهج المدرسة الألمانية في البحث العلمي أولاً ولتمكنهِ من اللغات الآخرى ثانياً ، وهذا مكنهُ من استيعاب جميع الدراسات السابقة في اللغتين الالمانية والانكليزية ولاسيما في ما يتصل بتاريخ العرب قبل الاسلام وهي كثيرة جداً . ولم يرضخ في تفسيرهِ للتاريخ لمدرسة من مدارس تفسير التاريخ بعينها ، لأن كل مدرسة لا بد أن تكون متأثرة في ديانتها ومذهبيتها العقائدية أو السياسية في التفسير ، ويقول : “على المؤرخ أن يكون وصافاً 
عالماً عادلاً” . 
واضافت أن مؤرخنا الكبير حذر من النظرة القسرية إلى تاريخنا ، وأكد أن العرب يمتلكون تاريخاً ثرياً وهم في غنى عن الزيادة في تاريخهم وتحميله ما ليس منهُ ، وحذر من تزوير الدول للتاريخ لأجل غايات سياسية أو عقائدية أو مذهبية وهو ما يؤدي إلى شكوك تنتاب الناس في صحة هذا التاريخ وقيمتهِ العلمية . ومن ذلك ،  فكرة ما يسمى بإعادة كتابة التاريخ التي نادت بها بعض الدول
 والهيئات ، فقرر الدكتور جواد علي إن مثل هذهِ الدعوات لم تنبع من فلسفة أصيلة مدروسة ، وإنما من ميول ومحاكاة ومحاباة وهي ـ في مجملها ـ تمثل انعاكاساً لتوجهات العصر واخضاعاً لها . وهو أمر يتنافى مع البحث العلمي الرصين والخبرة العميقة الشاملة .