{تجارة المخدرات} خطر يداهم العراق.. وتعاطيها يسجل أرقاماً مخيفة
العراق
2019/07/21
+A
-A
بغداد/ أحمد محمد
هي المرة الأولى التي تسجل تجارة المخدرات وتعاطيها أرقاماً قياسية في تاريخ العراق، في وقت تتضارب الآراء في ما يخص طرق مكافحتها بين الدعوة الى إيجاد تشريعات جديدة والذهاب نحو معالجة الأسباب الأخرى التي ساهمت في ارتفاع حالات التعاطي والتجارة من ضمنها البطالة والتفكك الأسري وغياب الوعي بين الشباب.
وتشدد رئيس لجنة الأسرة والطفل النيابية هيفاء الأمين، على ضرورة إيجاد الحلول والآليات السريعة لمعالجة انتشار المخدرات في المجتمع العراقي مؤكدة خلال حديثها لـ"الصباح": على إن "اللجنة أقامت ورشة عمل في مجلس النواب خلال الأسابيع الماضية حضرها مسؤولون وجهات مختصة، لتسليط الضوء على كيفية التعامل مع هذه الظاهرة وإيجاد تشريعات يمكن تطبيقها، وإلا ما الفائدة من قوانين تشرع ولا تطبق".
وتوضح رئيس اللجنة، إن "انتشار هذه الآفة يقع على عاتق (الطرف الممول والمتاجر بالممنوعات)، وهذه من مسؤوليات وزارة الداخلية والمنافذ الحدودية والجهد الاستخباراتي لمتابعة هؤلاء والقبض عليهم ومحاكمتهم بأقصى العقوبات، أما الطرف المتضرر والذي يتعلق بالحالة الانسانية بالدرجة الاولى فهو (متعاطي المخدرات)، وهذه الفئة تقع على عاتق وزارة الصحة ووزارة العمل والشؤون الاجتماعية لإيجاد ملاذات آمنة لهم وإعادة تأهيلهم ليكونوا أفراداً نافعين في المجتمع، لذا يجب إيجاد تشريعات تحد من المتاجرة ومعالجة حالات الإدمان، وإيجاد حلول توعوية مهمة تبدأ من المدارس والجامعات والإعلام والأسرة بالدرجة الأولى لحماية أطفالهم من الانزلاق بهذه المشكلة". وتلفت الأمين، الى أن "أكثر الفئات التي تتعرض الى التعاطي هي شريحة الشباب، لذا على الدولة ووزارة الشباب والرياضة ملء فراغ هؤلاء الشباب وصرف طاقاتهم بالرياضة والموسيقى وتخليصهم من الوقوع في هذا الخطر الذي أثر وبشكل سلبي في الكثير منهم، لذا يجب أن يكون هناك تعاون بين مؤسسات الدولة ووزارة الشباب - كما ذكرت سابقاً - للقضاء على تنامي هذه الظاهرة".
مشاكل الشباب
ومن جانبه يؤكد عضو اللجنة القانونية النيابية محمد الغزي في تصريح خاص لـ"الصباح": إن "قانون المخدرات النافذ لا يعالج مشكلة الاتجار بالمخدرات بقدر ما يعالج حالة التعاطي، وهذا ما أكدت عليه المحاكم العراقية بأن العقوبات المتعلقة بمروجي المخدرات غير كافية، لذا نسعى كلجنة الى تعديل القانون وفرض العقوبات الصارمة على مروجي المخدرات".
ويعزو الغزي السبب الرئيس في انتشار المخدرات إلى "المشاكل الاجتماعية وكل ما يتعلق بالمجتمع سواء البطالة المستشرية بين الشباب أو التفكك الأسري الذي يدفع بالأفراد التي تعاطي المخدرات والهروب من الواقع المرير الذي يعيشه البعض".
عمليات مشتركة
مدير علاقات هيأة المنافذ الحدودية علاء الدين القيسي، يكشف خلال حديثه لـ"الصباح"، بأن "هناك طرقاً ومعابر بعيدة عن منافذنا الحدودية يتم من خلالها تهريب المخدرات، بالإضافة الى منافذ الإقليم التي تكون غير خاضعة لسلطة الحكومة المركزية وليس للهيأة سلطة عليها".
ويوضح القيسي: "على الرغم من تهالك وانعدام البنى التحتية وعدم توفر الأجهزة والمعدات الكاشفة والاستعانة بالكلاب البوليسية (k9)، إلا أن المسؤولية تضامنية بين الجهات المعنية للحفاظ على أمن الحدود والحد من التهريب مع دول الجوار، وكل ذلك يتم بالتعاون والتنسيق بين هيأة المنافذ وحرس الحدود وشرطة الكمارك وباقي التشكيلات الساندة لحماية المجتمع من هذه الآفة الخطيرة التي باتت تهدد النسيج الاجتماعي والصحي لأبناء بلدنا".
حديث اجتماعي
ويؤكد الناشط في مجال حقوق الانسان صلاح بوشي في تصريح خاص لـ"الصباح"، على "ضرورة تفعيل القوانين والتشريعات الصادرة ونافذة المفعول من قبل إدارة مؤسسات الدولة العراقية واتخاذ كافة الاجراءات اللازمة بحق المقصرين، لاسيما نحن نتحدث عن ملف خطير يؤثر بشكل كبير في المجتمع العراقي الذي أصبح مستهدفاً خاصة فئة الشباب، لذا على الدولة تسليط الضوء على أفراد الأسرة والمجتمع وتقديم الرعاية والمستلزمات الكافية لحمايتهم من هذه الآفة، فضلاً عن تفعيل القانون وتقديم أفضل الخدمات كما كفلها الدستور العراقي والتي ومع الأسف لم تلق الرعاية الكاملة في التنظيم والتفعيل مما أدى الى انجرار الفئات نحو التعاطي، لذا نأمل من الحكومة العراقية وضع القواعد التنظيمية وتعشيقها مع بعضها لمواجهة هذه المشكلة ووضع الحلول الناجعة لإنهاء مخلفاتها".
أما الباحث الاجتماعي ولي الدين الخفاجي، فيبين خلال حديثه لـ"الصباح"، أنه "لا يمكن إرجاع أية مشكلة اجتماعية الى سبب واحد، وإنما هناك جملة من الأسباب تولد هذه المشكلة، فالمخدرات ليست وليدة اليوم حتى نضع لها قوانين صارمة، فقانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 وصلت عقوباته الى حد الإعدام أو السجن المؤبد، ولكن من الأسباب الرئيسة لتفاقم هذه الحالة هو تجميد القوانين وعدم استخدامها بالشكل الصحيح بحيث أصبحت - مع شديد الأسف – بمثابة حبر على ورق من ناحية التطبيق والتنفيذ على أرض الواقع". ويتساءل الخفاجي: "ما الفائدة من تشريع قوانين لا يمكن تطبيقها على أرض الواقع إذا لم يتم القضاء على الأسباب الرئيسة لتفاقم المشكلة كعدم السيطرة على المنافذ الحدودية التي يتم استخدامها من قبل مروجي المخدرات، فضلاً عن الفساد المالي والإداري في السيطرات والمعابر، بالإضافة الى البطالة والفراغ والتقليد وعدم مراقبة أماكن تواجد الشباب كالمقاهي وغيرها، وغياب دور الأسرة والمدارس عن التوعية والتثقيف، وغير ذلك من الأسباب التي جعلت من العراق سوقاً رائجة للمخدرات".
فقرات ومواد
ويرى كثير من المختصين، إن قانون المخدرات والمؤثرات العقلية رقم 50 لسنة 2017 كسابقه (قانون المخدرات رقم 68 لسنة 1965) لم يضع تعريفاً جامعاً مانعاً للمواد المخدرة أو المخدرات واكتفى بقوله أن المقصود في المادة رقم (1) أولاً: المخدرات أو المواد المخدرة هي (كل مادة طبيعية أو تركيبية من المواد المدرجة بالجداول الملحقة في هذا القانون، وهي قوائم المواد المخدرة التي اعتمدتها الاتفاقية الوحيدة للمخدرات لسنة 1961 وتعديلاتها)، ولم يضع تعريفاً شاملاً جامعاً للمادة المخدرة، ويفهم من ذلك إن "ما عدا ما ورد بتلك الجداول لا تعتبر مواد مخدرة، علماً إن هناك مواد شأنها شأن المخدرات بدرجة التأثير في الإنسان من الناحية العقلية والعضوية والنفسية، وهذا ما جاء في الفقرة الثانية من ذات المادة والتي توضح المؤثرات العقلية كل مادة طبيعية أو تركيبية من المواد المدرجة في الجداول الملحقة في هذا القانون التي اعتمدتها اتفاقية الامم المتحدة للمؤثرات العقلية لسنة 1971 وتعديلاتها".
رؤية قانونية
ويقول القاضي ناصر عمران في تصريح خاص لـ "الصباح": إن "القانون لم يورد في عباراته نص التجريم الذي اعتمدته القوانين العربية والغربية والتي أكدت على أن المخدرات نوع من أنواع
السموم، إن كان قليلها يشفي وإن كان كثيرها يؤدي إلى الإدمان، فإذا وصل الإنسان إلى حالة الإدمان فيجب إيداعه بالمصحة للعلاج ولا يخرج منها إلا إذا شفي من الإدمان، وقد عرف (العالم الكيماوي وكلر) الإدمان بأنه (التعاطي القهري للمواد المخدرة والذي يدفع صاحبه إلى الزيادة في الجريمة مما يجعله يصاب بالانتكاس والقلق والاضطراب ويجعله يضطر للتعاطي للخلاص من هذه الحالة) وما يترتب على الإدمان من ضررٍ ليس فقط لمتعاطيها وإنما لأسرته وللمجتمع
ككل".
ويشير عمران، الى أن "قانون المخدرات والمؤثرات العقلية رقم 50 لسنة 2017 اختط طريقاً جديداً لمعالجة ظاهرة المخدرات، فقد انحاز الى الجانب الوقائي العلاجي أكثر من الجانب الردعي العقابي وهو اتجاه صائب بحاجة الى تفعيل اجتماعي ومنظومة عمل ساندة لتحقيق أهداف القانون، فقد تضمن الفصل التاسع في القانون تدابير لمعالجة المدمنين". ويلفت القاضي عمران
الى، إن "المحكمة منحت صلاحية إيداع المدمن على المخدرات والمؤثرات العقلية في إحدى
المؤسسات الصحية التي تنشأ لهذا الغرض ليعالج فيها الى أن ترفع اللجنة المختصة ببحث حالة المودع تقريراً عن حالته الى المحكمة لتقرر الإفراج عنه أو الاستمرار بإيداعه لمدة
أو مدد أخرى على أن يلتزم بمراجعة عيادة (نفسية واجتماعية) مرة أو مرتين في الأسبوع، كما إن المادة (40) منعت المحاكم من إقامة الدعوى الجزائية على من يتقدم من متعاطي المواد المخدرة أو المؤثرات العقلية من تلقاء نفسه للعلاج في المستشفى المختص بعلاج المدمنين، مع مراعاة السرية حيال الأشخاص الذين يعالجون من حالة الإدمان على المخدرات أو المؤثرات
العقلية".