المسؤولية القانونيَّة عن تعذيب المتهم في القانون العراقي
العراق
2019/07/22
+A
-A
القاضي كاظم عبد جاسم الزيدي
من الحقوق الأساسية للإنسان، ان يحيا بأمان وحرية وكرامة، وهذه الحقوق هي منحة ربانية وليست هبة أو عطية من البشر يمن بها بعضهم على البعض الآخر، ولغرض تحقيق موازنة بين حق المتهم، بان لا يتعرض إلى الإهانة والتعذيب وبين حق المجتمع في الوصول إلى الجناة وتسليمهم إلى العدالة، لينالوا جزاءهم العادل على ما اقترفوه من إثم وعدوان نصت الشريعة الإسلامية على ضمانات للمتهم، منها الحق في الدفاع وان لا يتعرض للضرب والعنف، لذلك لم تقبل الشريعة الإسلامية تعذيب المتهم بأي شكل من الاشكال وقد نص الدستور العراقي النافذ لعام 2005 على تحريم التعذيب، حيث نصت المادة (37) منه على ( يحرم جميع أنواع التعذيب النفسي والجسدي والمعاملة غير الإنسانية) .
كما ان القانون العراقي اعتبر التعذيب جريمة يعاقب عليها القانون وفقاً لاحكام المادة (333) من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل والتي نصت على ان ( يعاقب بالسجن أوالحبس كل موظف أو مكلف بخدمة عامة عذب أو أمر بتعذيب متهم أو شاهد أو خبير لحمله على الاعتراف بجريمة أو للإدلاء بأقوال أو معلومات بشأنها أو لكتمان أمر من الأمور أو لإعطاء رأي معين بشأنها ويكون بحكم التعذيب استعمال القوة أو التهديد) و جاء أيضاً في المادة (117) من قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي رقم 23 لسنة 1971 المعدل عدم جواز استعمال وسائل غير مشروعة للحصول على إقرار المتهم وليس شرطاً ان يكون التعذيب على جسم المجني عليه فقط ، طالما ان التعذيب هو ضغط مادي أو معنوي على إرادة المجني عليه ولم يحدد المشرع العراقي طرقاً معينة متطورة أو وسيلة حديثة للتعذيب ولا عبرة بالوسيلة المستخدمة في ارتكاب جريمة التعذيب ما لم يرسم القانون طريقة بعينها.
فقد يكون التعذيب باستخدام الوسائل التقليدية، ومنها الضرب وسحق أصابع المجني عليه وقلع الاظافر أوربط المجني عليه بسلك كهربائي أو وضعه بزنزانة منفردة بغرفة مظلمة دون استجواب، وطالما هناك تعذيب بضغط مادي أو معنوي على إرادة المجني عليه.
فهناك تعذيب بدني وفكري وعلى هذا الأساس نص قانون المحكمة الجنائية العراقية العليا رقم (10) لسنة 2005 على منع التعذيب البدني والفكري، اما التعذيب المعنوي فقد ينطوي على ضغط وإيلام المجني عليه اكثر بكثير مما ينطوي عليه التعذيب المادي وبهذا فان الركن المادي لجريمة التعذيب اما ان يكون التعذيب مادياً مثل الضرب أوالجرح أو بارتكاب أي فعل مخالف للقانون على جسم المجني عليه أو هتك العرض أو ان يكون معنوياً وقد يتحقق بالاعتداء على شخص آخر يهم المجني عليه، والأمر بالتعذيب هو صورة من صور السلوك الإجرامي في الركن المادي لجريمة التعذيب ويعتبر الأمر بالتعذيب فاعلاً أصلياً في جريمة التعذيب وفقاً لاحكام المادة ( 333 ) من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل ولا يجوز انتزاع اعتراف المتهم تحت التعذيب، حيث نصت المادة (218) من قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة
1971 المعدل. يشترط بان يكون الاعتراف صادراً عن إرادة حرة وان لا يكون تحت تأثير الإكراه أوالتهديد أو الوعيد وان الاعتراف الذي ينتزع بالقوة هو اعتراف غير مشروع وان يكون اعتراف المتهم سليماً ولم يتعرض المتهم إلى الإكراه المادي أو المعنوي و ان المسؤولية الجزائية المترتبة على انتزاع اعتراف المتهم بالإكراه بأي صورة تؤثر في المتهم جسدياً أو نفسياً تنهض المسؤولية الجزائية ضد الجاني وهو في جريمة تعذيب المتهم لابد ان تتوفر فيه صفة أساسية وهي ان يكون موظفاً أو مكلفاً بخدمة عامة وان أفعال تعذيب المتهم لانتزاع اعترافه بالقوة تتفاوت من حيث الجسامة فهناك التعذيب البسيط وهناك التعذيب الجسيم الذي يؤدي إلى عاهة مستديمة والتعذيب الجسيم الذي يفضي إلى موت المجني عليه والتعذيب البسيط يكون مسؤولية الجاني وفقاً لاحكام المادة (413) من قانون العقوبات واذا تمادى الموظف أو المكلف بخدمة عامة في إيقاع أنواع وصنوف التعذيب بحق المجني عليه يترتب في بعض الأحيان إلحاق عاهة مستديمة بالمتهم واذا ما تحققت هذه النتيجة نكون امام جريمة الإيذاء العمد المعاقب عليه وفقا لاحكام المادة (412) من قانون العقوبات والذي يشكل جناية حيث تكون العقوبة السجن مدة لا تزيد على خمس عشرة سنة وان التعذيب الجسيم الذي يقوم به الجاني الموظف أو المكلف بخدمة عامة سواء كان مباشرا بممارسة التعذيب من قبل الجاني أوغير مباشر من خلال إصدار الأمر بتعذيب المتهم عن طريق إتباع الجاني سلوكا سلبيا بعدم الحيلولة دون تعذيب المتهم أوإتباع الجاني سلوكا سلبيا عن طريق عدم إغاثة المتهم رغم مشاهدة الجاني وهو يقوم بتعذيب المتهم أو سماع صراخه أو صراخ استغاثته يمكن ان يترتب على هذا التعذيب القاسي والجسيم موت المتهم وفي هذه الحالة نكون امام جريمة التعذيب المفضي إلى الموت أو الضرب المفضي إلى الموت وفقا لاحكام المادة (410) من قانون العقوبات العراقي وهي إحدى صور الجريمة المتعدية
القصد. لذا فان إقدام الجاني على تعذيب المتهم من خلال ضرب المتهم أوإعطاء مادة ضارة له وممارسة أفعال العنف ضد المتهم وأدت تلك الأفعال إلى وفاة المتهم، فان الفعل يشكل جناية الضرب المفضي إلى الموت وهذا ما ذهبت اليه محكمة التمييز الاتحادية في احد قراراتها (... اذا كانت الاضرار التي أنزلت بالمجني عليه لم تنتج الموت بل أدت إلى إضعاف مقاومته والتعجيل بوفاته لما صاحبها من انفعال أو إضعاف في المقاومة الجسمية بسبب سبق إصابته بالمرض فان الجريمة ليست قتلا عمدا، بل ضرب أفضى إلى موت المجني عليه ) وان جريمة التعذيب للمتهم بصورها المختلفة.
التعذيب البسيط والتعذيب الجسيم المفضي إلى عاهة مستديمة أو المفضي إلى موت المتهم هي صور لم تنص عليها احكام المادة (333) من قانون العقوبات وإنما تقتضي الرجوع إلى القواعد العامة وتكيف فعل الجاني تحت النص العقابي الملائم وفرض العقوبة المناسبة وفقا لذلك وان المحكمة اذا وجدت ان المتهم قد تعرض للتعذيب وضمانا لحق الدفاع ان تقرر إحالته إلى اللجنة الطبية المختصة لتقصي اثار التعذيب واذا كان التقرير الطبي الذي أعطى للمتهم يتضمن وجود اثار كدمات وجروح على جسمه فان ذلك يولد الشك بتعرضه للتعذيب اثناء التحقيق ويكون اعترافه مشوبا ومحلاً للشك فان الاعتراف يعتبر غير صحيح لان الأثر القانوني المترتب على الاعتراف المنتزع بالتهديد والتعذيب هو البطلان لان القاعدة المقررة في البطلان ان كان في القاعدة الجوهرية التي انتهت متعلقة بالنظام العام كان البطلان الناتج عن المخالفة بطلانا مطلقا مما يعني عدم الأخذ بالاعتراف المنتزع بالاكراة والتهديد لمخالفته لاحكام المادة (37) من الدستور العراقي ولكون النصوص الدستورية هي نصوص آمرة ومن النظام العام ولا يجوز مخالفتها وان جريمة التعذيب من الجرائم المحرمة على الصعيد الدولي بموجب الإعلان العالمي لحقوق الانسان ونجد من الضروري إعادة النظر بأحكام المادة (333 ) من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل لانها لم تحدد مفهوم التعذيب ما يجعل الباب مفتوحا إمام تجريم العديد من صور التعذيب من إيذاء وضرب ولا بد من نشر ثقافة حقوق الانسان في مجال العاملين في التحقيق الجنائي وإشراكهم في دورات مخصصة لكيفية التعامل مع المتهم بالشكل الذي يؤدي إلى تحقيق موازنة عادلة بين حق المجتمع في مكافحة الجريمة وحق المتهم باحترام إنسانيته وعدم اهانته أو اساءة معاملته والابتعاد عن كل الضغوط والوسائل التي تؤدي إلى انتزاع اعتراف المتهم بفعل التعذيب والتأكيد على حق الانسان في السلامة
الجسدية .