* أخطر ما يقود المبادئ والتجارب السياسية إلى العُقم أو الانكفاء أو انتفاء التأثير الإيجابي في حركة المجتمعات وسيرورة الدول، هو أن تتصيّر (المبادئ والتجارب) إلى ماركة تجارية، أو تتحول إلى تُهم جاهزة.
* أن تتصيّر القيم والمبادئ السياسية اللازمة لبناء المجتمعات وتكامل الدول إلى ماركة تجارية يعني أن تتصيّر إلى (سِلَع) رخيصة في سوق المزايدات والتنافس المصالحي لغرض المتاجرة والبقاء في سوق السياسة!!.. وأن تتحوّل ممارسة القيم والمبادئ السياسية إلى (تُهم) خيانة وتآمر يعني أن تُوصد الباب على أي تحولات جوهرية ببنية المجتمع والدولة، ويعني أنّ مَن يمارس السلطة يمارسها بعقلية التأميم السياسي الآيديولوجي المحتكر للشرعية والمنتفخ بالنرجسية القاتلة، ويعني أن نؤسس لانغلاق أفق التغيير ومسار التطوّر.
* المعارضة السياسية ليست ماركة أو تهمة ليتم التعاطي وإياها بعقلية الربح السوقي أو عقلية التخوين السلطوي،.. المعارضة هي النصف المكمّل للحكم إذا ما كان الحكم ديمقراطياً ممثلاً لإرادة الأمّة، فالدولة كيان أمّة سيادي، هي ليست ورثاً أو ملكاً ليحتكرها أو يتلاعب بها النرجسي أو المضارب أو الهاوي أو المُغامر أو المُتاجر،.. الدولة ليست ضيعة نفوذ وملعب أهواء ومكب أمزجة وحقل تجارب لهذه القوة أو تلك لتصيّرها كيفما تشاء وفق رؤيتها وأجندتها ومصالحها!! الدولة كينونة أمّة ومستودع حقوقها ووسيلة أهدافها لا تنجح إلاّ بحكم فعّال ومعارضة مسؤولة وتضامن وطني وتكامل أدوار حقيقي بين مؤسسات وقوى ونخب وجمهور الدولة.
* الخشية من تجاهل المعارضة أو تخوينها أو قمعها أو تحويلها إلى ماركة أو (مودة) سياسية، عندها تفقد المعارضة قيمتها ودورها وتأثيرها البنيوي،.. ومصيرها إمّا سلعة في سوق المزايدات السياسية أو تهمة تتقاذفها قوى المصالح،.. عندها سنعيد إنتاج العُقم السياسي.
* المعارضة (ضمن بنية النظام) ليست ترفاً سياسياً أو تمرداً على الدولة، وهي ليست مغامرة سياسية أو شبق سلطة،.. المعارضة تعدد خيارات وطنية لبدائل حزبية سياسية مسؤولة عن حكم الدولة وإدارتها بعدالة وكفاءة وطهورية،.. فالحكم والمعارضة (ثنائي) جدليات رؤى، وتنافس برامج، وحركية حلول، على طول عمر الدولة لتتكامل وظائفها تجاه الأمّة. ولن يُحفظ النظام السياسي لأي دولة من الانهيار والانحراف والعجز والاحتكار والابتلاع والتوظيف المصالحي الضيق إلّا بثنائي (الحكم والمعارضة) الفعّال والسلمي والهادف.
* تسطيح للوعي هو، إذا ما أنتجنا فهماً (يشيطن) الحكومة بالمطلق ويضفي صفة (الملائكية) على المعارضة من خلال أدلجة المواقف أو تقييم الأداء أو بتلّمس مخارج الأزمات. وكارثي هو، إذا ما تم رمي المعارضة بالخيانة أو العمالة أو الدافع المصالحي لعملها. كذلك، نرجسية سياسية هي إذا اعتبرت قوى الحكومة أو قوى المعارضة نفسيهما أنهما البديل (الوردي) والقادر لوحده على حل أزمات الدولة،.. إنَّ فهم أدوار الحكومة والمعارضة كجبهات وطنية يُكمل بعضها بعضاً هو مَن يُنجح وظائف النظام ويرسخ بنى الدولة، وهو ما يعزز الوعي ويراكم الثقافة ويطوّر تجربة الحكم والمعارضة -مجتمعياً سياسياً- فتبقى الدولة حيّة.
* شرعية وحيوية وكفاءة أي نظام سياسي تحتاج دوماً إلى المشاركة الشعبية والتعددية السياسية وتبادلية وتكاملية أدوار الحكم والمعارضة ضمن إطار الدستور وتحت طائلة القانون والمسؤولية والثقافة السياسية الرفيعة.