تارنتينو.. عنف السينما وصخبها

الصفحة الاخيرة 2019/07/30
...

علي حمود الحسن
قرأت قبل أيام تقريراً طريفاً، يخص المخرج الأميركي العابث تارنتينو، نشرته وكالة الانباء الفرنسية، مفاده: نجاح فيلمه الأخير "حدث مرة في هوليوود"(2019) في عرضه الأول بصالات السينما الأميركية، على الرغم من تراجع إيرادات الأفلام المعروضة عموماً، فليس غير" سينما الاقتباسات والتتمات و الإعادات، من قبيل "توي ستوري 4" و "آلادين" و "ذي لاين كينغ" لها حظ كبير في النجاح )، قبلها حقق الفيلم حضوراً طيباً في مهرجان كان السينمائي الأخير، وهذا يحيلنا الى سؤال: ما الذي يجعل من أعمال مخرج مارق عن نمط انتاج هوليوود وماكنتها الدعائية،  تجد  رواجاً ونجاحاً في بورصة شباك التذاكر 
الأميركي ؟ 
والجواب على واقعيته، يبدو بلا معنى، عندما يتعلق الامر بكونتين جيروم تارنتينو، الذي تعلم صناعة السينما من خلال مشاهدة الأفلام التي كان يبيعها في متجره الصغير
، وفهمها على أساس انها واحدة من محاولات الانسان المعاصر للخروج من مأزقه الوجودي، فراح يلهو بها من دون الالتفات الى صرامة تقاليدها وتابوات انتاجها، فلم يعد سردها سرداً، ولا حوارها حوارً، ولا ايقاعها تواتراً، فلا منطق في أفلام صاحب " المكرهون الثمانية"، ولا رصانة فكر، فالجد يختلط بالهزل، والعنف باللاجدوى، هذه الخبطة غير محسوبة العواقب، لا تسير على عواهنها، فتارنتينو المولود باذن موسيقية مرهفة وخيال روائي جامح
، يستطيع دائماً ان يهيمن على من يشاهده
، من دون ان يجعله – ولو للحظة - يتماهى مع الحدث، ليس بمفهومية بريخت؛ وهي واردة على اية حال، انما فقط ليقول له : ان ما تراه فيلماً وليس الواقع
، فنراه يبث إشارات وعلامات في بنية سردياته البصرية، تحيل الى أفلام ومسلسلات ومقطوعات موسيقية احبها، فضلاً علامات أخرى يبتكرها هو، أليس الفيلم من وجهة نظره، هو خلق آخر للحياة، وكل هذا لا يمكن ان يحدث ، لولا قدرة تارنتينو على بناء فيلمه واختيار ممثليه، فضلاً عن القصة والسيناريو التي غالباً ما يكتبهما بنفسه، وبذا – وهذا ما اتفق عليه النقاد- تمثل أفلام كوينتن جيروم تارنتينو ما بعد حداثة السينما، فهي تهم ما سبقها وتتجاوزها
، ولا تلقي بالاً لتقاليد الآباء ومدارسهم الاخراجية، ولا تريد أسلوباً ثابتاً
، ولا ثيمة مكرورة، فالعنف وان كان مصاحباً لأفلامه الثمانية، لكنه لا ينتج سوى مفارقة كينونة الكائن البشري، الذي يقدس كلاباً سائبة، لكن حروبه بالإنابة تسحق ملايين البشر بلا رحمة، الحب هو الاخر قناع للقسوة، ربما الموسيقى وحدها  - ورثها تارنتينو من ابيه الموسيقي-، هي من تعيد لهذا العالم المجنون 
توازنه.
ثمانية أفلام، هي حصيلة المسيرة الصاخبة لصاحب «جانغو الحر» " شاهدتها كلها، وفي كل مرة اتمترس في ذاتي بعيداً عن صخب العالم وعنفه، ولا جدوى.