لا يوجد حقل معرفي يمكن ان يمثل الجمال والحب وكل القيم الانسانية مثل الادب ضمن شعرياته وسردياته , ولا يمكن للغة ان تطوع هذه القيم وتجعلها خوادم فنية لاغراض النص مثل لغة الادب , فالادب هو حصيلة التجربة الانسانية بارهاصاتها والامها ومسراتها ... وما الى ذلك من خصائص وقيم انسانية , وبالتالي فانه الاجدر بتمثيل هذه القيم والتعبير عنها على اكمل وجه , ولذلك فان التجارب العلمية والفكرية تأخذ من الادب منطلقا في توصلاتها واستنتاجاتها المعرفية واقامة تصوراتها وتعضيدها عن طريق الادب , بل ان الادب هو اكثر الحقول تمثيلا لقيم التسامح وتذويب صلابة الهويات المتنافرة فهو حالة خلق مستمرة للامبراطورية الانسانية , ولذلك فان مفكرا كبيرا مثل الراحل ادوراد سعيد يتخذ من الادب منطلقا في تعميق تصوراته ومفاهيمه الانسانية وذلك ما تشي به عناوين كتبه الملهمة التي تحفر في هذا الاتجاه الانساني.
ان خصائص الادب والفن هذه يستهان بها عند البعض من المتثاقفين الذين وضعوا الادب والفن في خانة ضيقة وقصروا وظائفهما في سياق انتاج تهويمات واستيهامات تتقاطع مع الواقع ولاتسهم في التأثير في مساراته , وضمن هذا التصور فان مفكرين كبار كسارتر وادوارد سعيد وحتى ميشيل فوكو يغدون من اصحاب التصورات الاستيهامية البعيدة عن الواقع , فشكل الانتاج المعرفي في اطروحاتهم يأخذ منحا استيهاميا مفارقا للواقع , وبذلك فان هذه المشاريع الكبرى ضمن هذه التصورات القاصرة هي مشاريع غير مجدية وغير قادرة على الصمود في مواجهة المتغيرات الواقعية .
يرى د. نادر كاظم في تعرضه لازمة الدراسات الانسانية والنقدية ان الازمة هي نتاج الطابع الصارم للغة الفكر في تقاطعه مع الادب , فالادب بطابعه المرن قادر على انقاذ نفسه من الازمة , قبل ذلك كان تودورف قد كتب عن الازمة التي تطال صرامة الفكر والنقد وتعرض الادب الى الخطر بمعنى ان الرؤى التي ينتجها الفكر وهي رؤى تتلمس دقائق العقلانية ستعرض الادب الى الخطر عندما تضعه في نطاق التفسير والتحليل والتأويل , فالادب والفن كلاهما يمتلك خصائص التعريف بنفسه على نحو مبهر لانه ينتج رؤى متناغمة مع الحالات الانسانية وهما من هذا المنطلق يملكان خاصيتهما الكونية , وعلى الفكر او النقد اذا اراد ان ينقذ نفسه من ازمته الناتجة عن تصوراته الصارمة ان يستلهم الادب ويستعير خصائصه المرنة فالادب يصل الى المشكلات الانسانية قبل الفلسفة والفكر فهو نتاج التوتر بالمشاعر الانسانية .
من هذا المنطلق فان الادب والفن يفتتحان افقا معرفيا كبيرا من خلال الاستيهامات التي يعيبها عليها اصحاب الرؤى التسطيحية كونهما يأخذان شكلا ملهما في التعرف على المشاعر الانسانية وايجاد حلول لها , وهو ما تنبه له كبار مفكري التصورات الانسانية , فقد اسس ادوراد سعيد منظومته التيولوجية الانسانية على التصورات الادبية لاريش اوريباخ في كتابه المحاكاة الذي عبر عنه ادروراد سعيد بانه الكتاب الملهم الذي اشتق رقعة كبيرة في خريطة الوعي الانساني .