واحد من مرافق ومكوّنات المكان هي الجدران . لذا انتبه الإنسان الأول إلى أهميتها في أداء وظيفة التدوين عليها . ليس لعدم وجود وسيلة أخرى فحسب، بل بالمقاييس اللاحقة، أصبح الجدار نفسه نوعا من قياس جماليات المكان . من هذا يكون أمام الإنسان نوع من استغلال كل زوايا المكان، والجدار واحد منها وعلى أحسن صورة . يتدخل فيها الذوق الفني الخالص، والأبعاد القياسية اللازمة لذلك . كذلك اعتبار الجدار وما يرافقه نوعا ً من ظاهرة تزيين المكان وتأثيثه . لذلك اندرج العقل على توظيف مرافق المكان لصالح الشكل الذي يظهر فيه مثيرا ً للنظر، دافعا ً للتطلع والفحص .فالماء من لون الإناء مقولة يمكن حسابها على حالة استغلال الجدار بهذه الطريقة أو تلك . مما يُظهر المكان ــ لونه ــ على أحسن صورة ممكنة .
الشكل الخارجي
إن الشكل الخارجي للمرفق الذي تشكله البناية، يعني نوعا ً من خاصية النموذج ووظيفته . بمعنى يتوجب أن يتوفر على حسابات ذات قيمة معرفية ثقافية، فلواجهة عنصر مهم في حساب الوظيفة والجمال باعتباره عتبة بمقاييس النص المكتوب . فحين تحاول أن تتأكد من اللافتة لطبيعة الوظيفة للعمارة، فأنك تنظر وتفحص عتبتها المعرِّفة بها ،أي (العمارة ــ المكان ) فأنك تستدل على خصائصها الخارجية . والشكل الخارجي عبارة عن شكل معماري، يصرف عما يقدمه المعماريون من تخطيط وجهد من أجل خلق دالة على الاختصاص، أو العنوان العام . فليست العملية من باب العشوائيات والتنفيذ الفوري بما يتناسب مع ذوق الموظف العشوائي، بقد ما هي مهمة فنية جمالية، تنبئ بالشيء من واجهته، وتؤشر اختصاصه من علاماته الفارقة في خارجه . وهي جزء أساسي من الوظائف التي يؤديها المكان ــ المرفق ــ . لذا توجب الاعتناء بالواجهة وطبيعة العمارة المتأتية من وظيفتها، واستعمال عقل المعماري في صياغة مثل هذا الأثر . وهذا ما نراه في عمارة الدول المتقدمة، وما وجدناه في تنفيذ المعماريون العراقيون ابتداء من جهود المعماري الفذ ( د.محمد مكية ) مرورا ً بـ ( رفعة الجادرجي، والمدفعي، د.خالد السلطاني، زهاء حديد ) وغيرهم . هؤلاء استطاعوا أن يهيئوا للمكان عمارته،ويصمموها وفق معايير عامة وذاتية، تستند إلى العلم والفن، ووضعوا لها واجهة، هي بمثابة علامة لخاصيتها كمكان له وظيفة ما . استعملت في إبراز خصائصه بنيات العقل وابتكاراته، كذلك ما يعمله مخيّال المعماري في عمل فني كهذا أو ذاك . إن مالا نقصده هنا الكيفية التي يمكن التعامل ونعني به جدار بواسطتها ما ينتجه العقل مستعينا ً بالجدار الذي سيكون مدار بحثنا المتواصل .
الشكل الخاص والعام للمكان
ونعني بالعام ؛ الشكل الموضوعي الذي يتلاءم مع مكوّنات المكان بعامة، أما الشكل الخاص فهو الذي يجمع كل الخصائص الذاتية للشيء الموجود في المكان . وهذا يدعونا إلى إيضاح وفهم ما يترتب على المكان من إجراءات تُفيد في تصعيد وتيرته الجمالية وقدرته الذاتية والموضوعية على استنفار المشاعر، وجلب الاهتمام من باب القدرة البصرية للرائي . أي يصبح المكان بكل مكوّناته جاذبا ً وليس طاردا ً . وهذا يتطلب العناية بمكوّناته وأسس تجميله، بما يوازي الذوق العام أولا ً، وبما يمنحه فرصة أداء وظيفته العامة والخاصّة . فالرائي الداخل إلى المكان يعيش حالة مجموعة توقعات واحتمالات، خاصة إذا كان مولع وممارِس للأمكنة باعتبارها جماليات الوجود . هذه التوقعات لابد أن يعطي التصميم الداخلي للمكان نسبة تتعادل بين طموح الرائي الداخل وبين المتوفر الذي يتسع مجاله للمجموع على الفرد . اختلاف وتباين معارفهم وأذواقهم . إذا ً ما يتحقق داخله هو نوع من موازنة عادلة وذكية لا تفرّط برؤى المجموع، بنفس الوقت لا تستغني عن رؤى
الرؤى الجدار
لا شك أن الرؤى بشكلها العام تتجدد، متخذة لها مسارات تتبع مستويات المعرفة والفحص . والنظرة إلى الجدار باعتباره طُرسا ً للكتابة أو الرسم والتجسيد، هو الآخر ينصاع إلى مكوّنات المنتج العامّة. فالرؤى هنا تتوفر على مجال واسع من تطبيق الملاحظات والأحاسيس الذاتية، لكي تكون بمستوى الأسطورة، أو الأسطرة، بمعنى أسطرة ما تُحدده الرؤى من جمع المكوّنات في المرئي . لأنها بطبيعة الحال تنطوي على لا مرئي مضمر في العقل . من هذا نجد الفنان يخضع في تشكيل مدوّنته ذات الخطوط والألوان والرموز القارّة ابتداء من ضاغط لا وعيه المُحقِق لمستويات من التنفيذ المرئي . فالأسطورة نظام لساني كاللغة . لها محمولات كثيرة .
وهي تتعامل مع ( المستقيمات، المنحنيات،أو والانكسارات، الحافــّات) عبر الاستعانة بالحروف التي هي أيضا حاملة للبنية الأسطورية، التي أسقطت على بنية الرسم ومنها الدوران في
الأشياء .