مشاهد المدينة

الصفحة الاخيرة 2019/08/05
...

 جواد علي كسّار
كان يُفترض لجولة المدينة المنورة أن تكون صباحاً، لكن ارتباك الإدارة أجّلها إلى ما بعد ظهر يوم الجمعة.
ذهبنا لزيارة سيِّد شهداء أُحد حمزة بن عبد المطلب، والإطلاع على مشهد الواقعة، وهذا ما كان. لكن حرارة الطقس في ظهيرة المدينة جعلتنا نستعجل، بحيث لم نصلّ في المسجد، الذي قد توحي بعض المؤشرات التأريخية المرتبطة بسيرة النبي؛ أن النبي صلى الله عليه وآله صلى بهذا المكان، أو ربما هناك مؤشرات تدلّ في بعض الروايات على استحباب الصلاة فيه.
اتجهنا بعدها إلى مسجد القبلتين، الذي أشعر فيه بالراحة دائماً، واستشعر السكينة تغمرني في هذا المسجد الكريم، حيث أستعيد قصته في كلّ مرّة أدخل فيه. يعجبني أن اشتغل في هذا المسجد بالعبادة وأنصرف إلى الصلاة فيه ما استطعتُ، وما سمح الوقت بذلك. يعجبني في المكان أيضاً، تصميم المسجد الذي استشعر فيه حالة الخشوع والتوجّه، خاصة تلك الأشجار الباسقة من حوله، ثمّ تصميمه الداخلي الذي يجمع بين الانغلاق من الخارج، والانفتاح من الداخل، وتلك الحديقة الصغيرة في إحدى باحاته.
مررنا من منطقة الخندق أو ما يُعرف بالمساجد السبعة. حيث تغيّرت المعالم أو كادت، وأُلغيت بعض المساجد، وصار المسؤولون إلى بناء مسجد جديد حديث، لكي يغطي على المساجد التاريخية. وقد كنتُ أسمع كلاماً غير دقيق من المرشدين والزائرين والمتعهّدين عن هذه المنطقة ومساجدها، خاصة زعمهم أن فيها يقع بيت الأحزان المنسوب إلى السيدة فاطمة الزهراء بنت النبي وبضعته صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
فأوضحتُ لمن معنا من أفراد القافلة الأمرين التاليين:
أولاً: إن المساجد السبعة وأشهرها الفتح حيث صلى رسول الله صلى الله عليه وآله، ما هي سوى مراكز كتائب لمن خرج مع النبي في غزوة الخندق.
ثانياً: إنه لا صحة بتاتاً لمن يزعم أن بيت الأحزان موجود في هذه المنطقة. أولاً لأن هذه المنطقة بعيدة كلّ البعد عن الدائرة العمرانية للمدينة في وقت حياة الزهراء سلام الله عليها. وثانياً، لأن الثابت أن بيت الأحزان واقع إلى جوار البقيع، تحديداً في الجهة اليمنى للداخل إلى بقيع الغرقد من مدخله الرئيس الحالي، خلف قبور أئمة أهل البيت. وبيت الأحزان أما أن يكون قد ضُمّ إلى البقيع في توسعته، أو تحوّل إلى منطقة مسكونة في التوسعات العمرانية المتوالية.
بعدها ذهبنا إلى مسجد قُباء، وقد ركزتُ كثيراً على تعبئة الزائرين للإفادة من هذا المسجد والصلاة فيه كثيراً، وكان في الطليعة التذكير بقول الله سبحانه عن هذه البقعة ﴿لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ﴾ كما الثابت من حديث النبي بأن صلاة ركعتين فيه تعدل عمرة. قلت لهم: الإنسان يسجّل في بلده بنية أداء العمرة المفردة، ثمّ ينفق المال (1000 دولار كمعدل) ويتحمّل متاعب السفر، وقد يمرض وما إلى ذلك، لكي ينال أجر العمرة، في المقابل ما أيسر الصلاة في هذا المسجد ركعتين لبلوغ ثواب العمرة، ثمّ ما أيسر تكرار الصلاة فيه، وإهدائها إلى من تحبّ لكي تسجّل ثواب عمرة في صحائف أعمالهم. ثمّ ألفتُّ نظرهم، إلى أهمية تكرار زيارة هذا المسجد أكثر من مرّة كما يفعل بعض من أعرفه، وهذا ما حصل.