الحماية القانونيَّة للحريَّة الشخصيَّة
العراق
2019/08/05
+A
-A
القاضي كاظم عبد جاسم الزيدي
من الحقوق الأساسية التي يتمتع بها الانسان و التي أقرتها الأديان و المواثيق الدولية و التشريعات العقابية أو المدنية هو الحق في الحرية الشخصية وهو من الحقوق التي لا غنى عنها للإنسان مهما تبدلت الظروف المحيطة به وهي تمثل الانعكاس الحقيقي لآدميته و كرامته و ان الحرية بالنسبة له هي تحقيق الذات و هي اغلى ما يملكه الانسان و التي تأتي بعد حقه في الحياة، فلا حياة للإنسان بدون حرية
و الأصح أنها لا تستقيم بدونها فالحرية بالنسبة للإنسان هي الرقي و التطور و التحرر، فلا قيمة لحياته و هو مكبل بالقيود و لا مستقر له بالمساس بحريته فكم من الثورات حدثت للحفاظ على الحرية و كم من الأرواح قدمت تضحية لهذه الحرية فالثورة نبراسها الحرية لذلك حرصت الاتفاقيات الدولية و الدساتير والقوانين على تأكيد الحق في الحرية و منها الدستور العراقي النافذ لعام 2005 و قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل و قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971 المعدل و الحرية الشخصية هي الحرية المتسقة و المتناغمة مع الكرامة الإنسانية و المنضبطة بحدود لا تمس حرية الآخرين و لا تؤذي مشاعر المجتمع و الدليل على ان الحرية صفة لصيقة بالإنسان ومتأصلة في كينونته انه يولد حراً والحرية الشخصية هي اعز مايملكه الانسان و هي قوام حياته ووجوده وهي أساس بنيان المجتمع السليم و كلما كانت الحريات مصانة فان ذلك يؤدي إلى ازدهار المجتمع و لقد أصبح الاهتمام العالمي بحقوق الانسان عموما قيمة مستهدفة للنظام القانوني الدولي حتى أصبح تقييم سلوك الحكومات عالمياً مرتبطاً إلى حد بعيد بمدى احترامها لحقوق الانسان على المستوى المحلي و الدولي و لا يختلف القانون الدستوري العراقي كثيرا عن نظيره الدولي في مجال حماية الحرية الشخصية و تنظيمها حيث نص ان كرامة الانسان مصونة و تحرم ممارسة أي نوع من أنواع التعذيب الجسدي والنفسي، كما تحرم المعاملة القاسية للمتهمين وبطلان إجراءات التحقيق النابع من الإكراه و التعذيب وكذلك الحق في الأمن الشخصي و عدم جواز القبض على احد أو توقيفه إلا وفق القانون وعدم جواز منع سفر المواطن خارج البلد أو العودة اليه إلا في الحالات التي ينص عليها القانون إضافة إلى حرية التنقل في جميع انحاء العراق و حرية السفر و حماية حرمة السكن و لم يقف الأمر في النظام القانوني عند حد الاعتراف الدولي و الدستوري للفرد و حريته الشخصية بل امتد إلى اكثر من ذلك و هي إحاطة تلك الحقوق بسياج من الحماية الجنائية والحق في سلامة الجسم و ان الحماية الجنائية مثلما هي منعقدة في مواجهة ممثلي السلطة العامة، فإنها منعقدة على صعيد ثانٍ في مواجهة الافراد أنفسهم و ان المشرع العراقي قد راعى تنوع وصف هذه الجرائم بحسب مصدرها، فميز بين الجرائم الواقعة من ممثل السلطة العامة على الافراد و بين الجرائم المرتكبة من قبل الافراد ضد الافراد الآخرين حيث نصت المادة 322 من قانون العقوبات العراقي على ( يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على سبع سنوات أو بالحبس كل موظف أو مكلف بخدمة عامة قبض على شخص أو حبسه في غير الأحوال التي ينص عليها القانون ) و من خلال دراسة الجرائم الماسة بالحقوق المكونة للحرية الشخصية فهي جرائم استعمال القسوة و التعذيب و جرائم القبض و الحبس و الحجز و انتهاك حرمة المسكن و الحياة الخاصة و ان جوهر ما تعنيه الحرية الشخصية هو ان يشعر الانسان بوجوده و ان تحترم ذاته و تكفل تنقلاته في ان لا يقبض عليه أو تقيد حركته إلا في الحالات التي بينها القانون على ان لا يمس جوهر الحرية المكفولة أصلا في المواثيق الدولية، لان طبيعة الأمور في أي مجتمع منظم هي ان لا يتصرف الأشخاص أو افراد السلطة العامة وفقا لهواهم و رغباتهم حتى لا تعم الفوضى داخل البيئة الاجتماعية فلا يجوز للسلطة العامة المساس بالحرية الشخصية إلا وفقا للدستور وتنظيم قانوني سليم لان حرية الانسان الشخصية في التنقل و الحركة في الذهاب و الإياب هي اعز ما يملكه و اذا مست تلك الحرية اهتزت ثقته بمجتمعه ونطاقه السياسي و ان علة تجريم القبض و الحبس و الحجز تجسدها رغبة المشرع الجنائي في كفالة الحرية الشخصية و لم يورد المشرع العراقي تعريفا خاصا بالحبس أو الحجز في صيغة معينة حيث نص على عقوبة الحبس بحق من يقبص على شخص ويقوم بحبسه و حجزه و كذلك نصت المادة 92 من قانون أصول المحاكمات الجزائية على ( لا يجوز القبض على أي شخص أو توقيفه إلا بمقتضى أمر صادر من قاضي أو محكمة ) و في المادة 19 من الدستور العراقي نصت على ان ( لا يجوز الحبس و التوقيف في غير الأماكن المخصصة لذلك ) والمادة 37 من الدستور العراقي( حرية الانسان و كرامته مصونة ) و في الفقرة أولا / ب من نفس المادة نصت على (لا يجوز توقيف احد أو التحقيق معه إلا بموجب قرار قضائي ) و القبض بحد ذاته يمثل اعتداء على الحرية الشخصية إلا ان مصلحة المجتمع في مكافحة الاجرام هي التي تسوغه و للتوفيق بين مصلحة الفرد و مصلحة المجتمع، فان القانون ينص على ضمانات تحول دون التعسف في اتخاذ هذا الإجراء الخطير كما ان حرمة المسكن تتصل بشكل مباشر بالحق في الخصوصية و يصبح الأخير في مهب الريح ان لم تحفظ حرمة السكن فلا يجوز دخول المسكن دون إذن صاحبه و هذا ما نص عليه الدستور العراقي و الذي نص في المادة 17 على ( لكل فرد الحق في الخصوصية بما لا يتنافى مع حقوق الآخرين) و حرمة
المساكن مصونة و لا يجوز دخولها أو تفتيشها أو التعرض لها إلا بقرار قضائي ووفقا للقانون و ان المشرع عاقب على جريمة انتهاك حرمة المسكن في المادة 428 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل و لحياة المواطنين الخاصة حرمة يحميها القانون و يمثل الحياة الخاصة في وجهين متلازمين هما حرمة الحياة الخاصة و التي تعني حرية الفرد في انتهاج الأسلوب الذي يرتضيه لحياته بعيدا عن تدخل الآخرين و هي من الحقوق الأساسية التي يسعى القانون لحمايتها وقد نصت المادة 438 من قانون العقوبات العراقي على جريمة انتهاك الحياة الخاصة حيث يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة و بغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين من نشر بإحدى طرق العلانية إخبارا أو صورا أو تعليقات تتصل باسرار الحياة الخاصة أو العائلية و على الرغم من التطور الكبير الذي تشهده مجالات الحياة إلا ان المشرع العراقي مازال يعمل بموجب قانون العقوبات العراقي الذي شرع في عام 1969 الأمر الذي يتطلب تشريع قانون جديد للعقوبات وضرورة ابتعاد السلطة العامة عن الوسائل و الإجراءات غير القانونية لانتزاع الاعتراف بالقوة و منع القبض على أي شخص إلا بموجب قرار من القضاء بموجب القانون و نجد من الضروري تعديل قانون أصول المحاكمات الجزائية و عدم الأخذ بأي اعتراف ناشئ عن وسيلة غير مشروعة و ضرورة مساهمة الإعلام في نشر الوعي القانوني بين المواطنين و إفهامهم بان أكراه أو تعذيب الشخص لحمله على الاعتراف يشكل جريمة يعاقب عليها القانون و نشر ثقافة حقوق الانسان بين منتسبي قوى الأمن الداخلي لعدم القبض على أي شخص إلا
وفق القانون .