آباء المونتاج المنسيُّون

الصفحة الاخيرة 2019/08/06
...

علي حمود الحسن
استقبلنا، قبل أيام المونتير والمخرج الرائد كاظم العطري، في مقر جريدة "الصباح"، وكانت سعادتي بلقائه كبيره، فالرجل شاهدٌ حيٌّ على تاريخ السينما العراقية، منذ خمسينيات القرن، إذ عمل في وحدة السينما التابعة لشركة نفط العراق، كمساعد لرئيسها الإنكليزي جون شيرمان، وتخصص في مونتاج سلسلة الأفلام  التعليمية النفطية، ثمّ  تفرّغ  منتصف الخمسينيات لتوليف أفلام وثائقيّة رائدة على شاكلة "سد الثرثار"، و "التراث الحي"، ليس هذا وحسب إنما شارك في منتجة أفلام روائية، ابرزها: "دكتور حسن"، و"غزالة"، وبعد ثورة تموز انتقل فريق عمل الوحدة السينمائية الى مصلحة السينما، وعمل على منتجة عشرات الأفلام، فضلا عن تكليفه بإزالة شخصيات من العهد الملكي تظهر في الأفلام والنشرات المصوّرة، ولا تروق للحكام الجمهوريين الجدد، وهي مهمة ليست سهلة -نظرا لدقتها وحساسيتها؛ فهي جزء من بنية سياق سردي فيلمي، لكنّه نجح في مهمته، ولم يتوقف عن العمل، إلّا بعد الانقلاب الفاشي الذي أطاح بحكومة عبد الكريم قاسم، ثم عاود نشاطه مونتيرا ومخرجا أحيانا، ونال فيلم سياحي اخرجه ومنتجه بعنوان "وجه العراق الحديث" جائزة التضامن بين الشعوب في مهرجان موسكو الثامن في العام
1973.
 التقيت كاظم جواد العطري قبل سنوات، وحققت معه حوارا صحفيا مثيرا، تحدث فيه عن الوجه الاخر للإنتاج السينمائي العراقي، فهو يمتلك اسرارا وحكايات لا تنتهي، دوَّنَ جزءًا منها في كتيب صغير ستنشره – صفحة "سينما" في الاعداد المقبلة - بناء على طلبه، يومذاك كان العطري في عقده السبعيني، متقد الذهن ويتمتع بذاكرة حيوية، متحمّسا لتصحيح الكثير من الحقائق المحرّفة بفعل التحزّب والأنانية، وكان يستعجل الزمن ليكتب مذكراته السينمائية.
والعطري من وجهة نظري المتواضعة، من الاباء المؤسسين للمونتاج في العراق، ربما سبقه المخرج حيدر العمري مخرج  "فتنة وحسن" (1955) الشهير،  الذي كان يمنتج  افلامه بنفسه، منها: "ريشة وسكين"، و"التطور الصحي في العراق"، و"بيت"، و"ربوع الشمال"، "مدينة المستقبل"، وكل هذه الافلام وثائقية يقف وراءها "أسطة" تراكمت خبرته منذ ايام الخبراء الانكليز في وحدة السينما التابعة لشركة النفط، وابدعت في  خمسينيات وستينيات القرن الماضي، ثم انكفأت وهمّشت منتصف سبعينيات القرن بفعل الاستقطاب الايديولوجي، وبذا خسرنا - كما هي حالنا-  واحدا من صُنّاع السينما الموهوبين، وهو ليس وحده على أية 
حال.
 ولد صاحب "المشرق" في كرخ بغداد عام 1934 والتحق في وحدة السينما مطلع 1954، مزاملا مدير التصوير المعروف ماجد كامل، الذي غادر عالمنا قبل أيام، وسيمون مهران، وعبد اللطيف صالح، وعاطف الظاهر، وازاد هوفونسيان، ومحمد شكري جميل، وفكتور حداد، وغيرهم، وهؤلاء جميعا أسهموا بشكل فاعل في صناعة الافلام العراقية، وقد تبدو مفارقة غير مفهومة ان هؤلاء جميعا لم يكتبوا مذكراتهم، او يؤرشفوا نتاجهم، عدا القلة 
منهم.