المصالحة بعيداً عن ثنائية الغالب والمغلوب

العراق 2019/08/06
...

حميد السوداني
إذا خصَّ مُنظّرو السياسة بأن طيف المصالحة هو جزء من حلم كبير للتفاهم العميق بين أطراف العملية السياسية بمراحله المهمة مبتعدين من حجم الخلاف والابتعاد عن ممارسة التقارب والتنافر فهذهِ رحلة مجهولة تحتاج الى كشف الأقنعة من جديد وعدم المبالغة في تبادل الثقة إلا إذا إدرك هذا الطرف أو ذاك خطورة الخلاف على أبناء الشعب وذبح الأبرياء، وطبعاً هذا ليس طريقاً مفروشاً بالحرير ولا بالنظريات المعاصرة التي لا تستقيم من دون التخلص من قيود الهيمنة المجتمعية أو الدينية، إن العمق الثقافي هو الذي يلبي حاجة الكل وهو الذي يمنع تداول المنتصر والمهزوم، والماضي والحاضر، بل ترتوي روافد الجميع من تجارب المعاناة المستمرة  لشعب بحث عن الأطياف أن تجلس، تناقش، تتداول الممكن واللا ممكن في غاية فيها البساطة والقلوب المنتمية للجماهير حتى تكون رمزاً وقدوة ولساناً تعبر فيه ظلام الليل الى نور النهار. ونور النهار هذا هو البحث السهل للأخوة والمواطنة، والروح الواحدة في شعب يهددهُ المحتل دائماً، بالتفرقة والتخلف واعادته الى القرون السابقة والقرون اللاحقة سالباً منهُ حريتهُ التي يتساوى بها مع الشعوب الأخرى، كبيرة كانت او صغيرة ! بعيدة أو قريبة.
إن شعبنا الذي اختير من بلدان الحضارة الأولى هو هوية لوحدهِ، لهُ نظرة قديمة عند الأمم، وله ميزة طبيعية حين يتناوله التاريخ من جانبه المشرق، وهو ما نريدهُ قولاً وفعلاً في حسابات المصالحة التي تستخدم بعض الأطراف تاريخ انتمائها تاريخها، نضالها السلبي والإيجابي، إرادتها وعزيمتها القوية، ولأن المصالحة تهم الأغلبية من الناس الذين يهمهم اليوم قبل غد الخروج من آلام الجروح التي عصفت بأغلبية الشباب في معارك وخصومات لا هوية لها ولا قواعد أخلاقية تنال من القوي والضعيف والرجل والطفل والمرأة من دون استثناء.
إن المصالحة أصبحت عملاً ذا قيمة وإنها غرست ونبتت في حدائق عقول الفرقاء وشاهدوا النتيجة على أرض الواقع، فالانفتاح الدولي على الوطن، والمشاركة السياسية في الحكم، والتفاعل الاجتماعي بين منظمات المجتمع المدني، وعودة الدراسة وجلوس التلاميذ والطلبة بمختلف طوائفهم على مقاعد الدراسة كان أبطاله المتصالحون العراقيون ! الذين أثبتوا إنهم نماذج من داخل الوطن من الممكن الاهتمام بهم عربياً وعالمياً ونقل هذهِ التجربة المعقدة الى محطات اخرى، تكون الأرض صالحة للجلوس والتفاوض والتصالح بكل حرية وحيوية وإخاء، وهذا ما يبدد ما يقوله البعض إن بعض الفئات تحاول أن لا تظهر نفسها في خطوة التصالح، وان هذا القبول الديمقراطي لم يكن سيئاً بالمرة إذا ما نتابع تصريحات الدول الكبرى والاعتراف بالحكومات الشرعية التي عليها أن تتقبل آراء الجميع لمصلحة الجميع وهو يشكل ميزة من المميزات التي تبرهن عليها الشعوب التي تبحث عن السيادة والاستقرار والنماء والسلام والديمقراطية.