المحكمة الروحية للضمير والعنف

العراق 2019/08/06
...

رائد الموسوي
بالأمس انتهيت من قراءة كتاب ((الضمير)) للمفكر الكبير ((بول ستروم)) وهو أستاذ العلوم الإنسانية في جامعة كولومبيا وقد أعاد لي عن كتابته لهذا المفهوم الكثير من السياقات ... الذي لطالما كانت الإنسانية تتداوله لفترات متباينة وقد استعان الكاتب بأدوات واستعارات كثيرة ليصف فيها فكرة الضمير على انه لا مجال للإنسانية ان تقتضبه او تتناساه لان في نسيانه تضيع المحكمة الروحية داخل الإنسان كما عبر عنه ((عمانوئيل كانت)) ويذهب نحو الهلاك بعد ذهابه للعنف.
من أين ينبع الضمير؟ والى أي مدى يمكننا الوثوق في أحكامه؟
في هذه المقدمة القصيرة جداً للضمير، يتأمل بول ستروم جذور الضمير الضاربة في عمق التاريخ، ويستكشف ما عاناه الضمير بالنسبة للأجيال المتعاقبة، ملقياً الضوء على أسباب استحقاق هذا المفهوم الأوروبي لمكانته المرموقة بوصفه احد الإسهامات الغربية الباعثة على الفخر في مجال الإنسانية وكرامتها في كل بقاع العالم، وقد استخدم ستروم نماذج عديدة من الثقافات الشعبية، مثل شخصية بينوكيو الكلاسيكية التي ابتكرتها شركة دزني، بالإضافة الى نماذج أخرى من السياسة المعاصرة، كما ويستشهد بأعمال مفكرين عظام مثل ديوستوفسكي ونيتشه وفرويد ليبين للقارئ كيف ولماذا يظل (الضمير) مبدأً محفزاً ومهماً في عالمنا المعاصر .
وأنا هنا أريد أن أشارك بول ستروم في حديثه عن ماهية الضمير واستحقاقه عبر الأزمان المتلونة بألوانه اذ لا يمكن أن نتوقف بمكان او زمان من دون تأثيره في المجتمع ما لم نستوعب أهميته داخل منظومة الأخلاق، فنحن أصبحنا بأشد الحاجة الى أن ندفع نحو تكريسه وتعميقه بشكل جيد حتى وان اقتضت الضرورة إعدام الكثير من المؤسسات العراقية على ما يسمى السدة، سدة العنف واللا مبالاة، لعدم استيفائها لشروط التعامل مع الضمير.
عذراً إذا تطاولت قليلاً فالمهام أصبحت جسيمة إذا بقينا ننتظر أكثر والوقت يداهمنا نحو خراب كل شيء فالكلام عن الضمير يجب أن يأخذ الأولويات بعد الانتهاء من كذبة داعش وأخواتها فلقد حان الوقت الذي يجب أن نسأل فيه سؤال الأغبياء عندما تهتم الشعوب بأشكال مواجهة الأزمات وترك جواهر الحلول للزمن.
إذ يقول بول ستروم :إنني تحفزت في الخوض عن مفهوم الضمير عندما رأيت أن أكثر الشعوب استبدلت الضمير وهي تبتسم بفكرة الكراهية، وفكرة الرذيلة، وفكرة عدم التسامح.
من هنا رأيت ضوءاً رمادياً من بعيد يكشف عن المستقبل لينهار في داخلي الأمل الى ابعد حد ممكن أن تتصوره بقايا الضمير في داخلي لأنني أعيش في بقعة سوداء من هذا العالم.