أغنية الطفل الغائبة عن مخيلته

الصفحة الاخيرة 2019/08/17
...

بغداد / وائل الملوك 
ابتعدت الاغنية الحديثة عن عوالم الطفولة، ولم نعد نسمع خطابا غنائيا موجها للطفل بأسلوب تربوي ينسجم مع مخيلته ويحفزه على المرح والفرح والتألق الانساني وحب واحترام المجتمع والاسرة والمدرسة.. وتعد الاغنية عاملا مهما في توجيه الطفل ولسنوات طويلة، وعندما دخلت الاغنية الحيز التجاري لم نعد نسمع اغاني تخص الطفولة، لأنها لا تدر أموالا على اصحابها.
واشارت مجموعة من الفنانين والباحثين الى ضرورة ان تولي وزارة التربية والمؤسسات المعنية بالطفولة الى اعادة درس النشيد ضمن المنهج المدرسي الذي كان سائدا وتأخذ المؤسسات الرسميّة على عاتقها تقديم اغاني الاطفال لأنها تربوية وتعليمية وتوجيهية وغير ربحية. ولتوضيح اهمية الموسيقى ودرس النشيد في المدارس في الوقت الحاضر والمستقبل، التقت “الصباح” مجموعة من المختصّين بالموسيقى والغناء.
أولى الحضارات 
الباحث والمختص بالشأن الموسيقي، حيدر شاكر، قال: الحديث عن عالم الطفل العراقي هو حديث العراقة الحقيقية ببلد كان يوما مركز اشعاع فكري تستنير منه حضارات أخرى سواء كانت عربية او اوروبية والى ابعد من ذلك، ونحن نتحدث عن جانب مهم بعالم الطفل وخاصة ما يتعلق بموسيقى وغناء الطفل، لا بدَّ من ذكر معلومة مهمة قد يعلم بها الكثير ممن عملوا بهذا المجال، ان غناء الطفل والعزف على الالات الموسيقية عرف اولا في الحضارات الاولى، ونخص بالذكر الحضارة السومريّة، إذ عثر على لوح من الطين بفحواه أم تحتضن طفلا صغيرا وعلى الرقم كتابات تعني ترنيمة للطفل. 
 
الاذاعة والتلفزيون 
وتابع شاكر، لو اخذنا القرن العشريني كونه قرن التوثيق الحقيقي لثقافة العراق ومنها الموسيقى والغناء بأشكاله ومسمياته سنجد ان العقد الثاني شهد صدور مجلة تعنى بأدب الطفل، وكانت تضم أناشيد غنائية وقصصا، اما في العقد الثلاثيني وخاصة عند افتتاح دار الاذاعة العراقية العام ١٩٣٦ وجدنا ان الراحل عمو زكي كان يقدم برنامجا من خلالها يتحدث عن ادبيات الطفل وعالمه الخاص، تلاه العقد الاربعيني فشهد الاهتمام بالاناشيد واغاني الاطفال من خلال كراس وثق مجموعة من اناشيد واغاني الطفل، وبمرور العقود الزمنية وتطور التوثيق الاذاعي والتلفزيوني فقد ادى الكثير من مطربينا ومطرباتنا اغاني للطفل، وابرزهم “امل خضير، وغادة سالم، واحمد سلمان”. 
 
منهاج مدرسي 
وفي العقد السبعيني كان الاهتمام اوسع، فقد أسس قسم برامج الاطفال في الاذاعة والتلفزيون، واسس دار ثقافة الاطفال واصبح درس النشيد والموسيقى منهاجا في المدارس الابتدائية، والتي خلقت اجواءً من الفرح لدى التلاميذ من خلال المنافسة والمشاركة في احتفاليات وفعاليات المدرسة، لكن بعد غياب جزئي لهذا الدرس بصورة جدية في المدارس بسبب الظروف التي مر بها البلد في الثمانينيات والتسعيينيات، كان لنا الشرف في العام ٢٠١٣ اصدار البوم غنائي للاطفال، كما هناك غيري من المختصّين والاكاديميين حاولوا وبجهودهم الفردية انتاج بعض الاناشيد والاغاني الطفولية في محاولة لانشاء بيئة ثقافية مهمة للطفل العراقي، والتي استعان بها بعض مدراء المدارس الاهلية، ومن ابرز الشخصيات التي كتبت للطفل “جليل خزعل”، مطالبا في ختام حديثه الجهات المسؤولة بالسعي بجدية في اعادة تنشيط درس الفنية والموسيقى في جميع مدارس العراق، كوننا نحتاج الى اعادة البنية الاساسية للبلد، وهذا البناء يبدأ بالطفولة مرورا بالشباب. 
 
عالم الطفل 
فيما كشف الموسيقار مصطفى زاير، ان الدخول في عالم الطفل صعب جدا، وخصوصا في اختيار الحان واناشيد يجب ان تدخل قلبه بعد استماعه للنشيد او الاغنية، لكن هذا لايمنع من سعي الجهات المسؤولة بالاستعانة بمختصين فنيين من اعادة النشيد والموسيقى كدرس اساسي في المدارس، فضلا عن دعم المراكز الفنية وافتتاح مراكز اخرى تعليمية في مختلف مناطق العراق، مؤكدا أنّها ستسهم في ابعاد الاطفال وحتى من اعمارهم في المدارس الثانوية من الاتجاهات السلبية التي تحيط بمجتمعنا، وابرزها “الموبايلات لدى صغار السن، وابعاد الشباب عن المقاهي والاماكن السلبية الاخرى”، لافتا انه يسعى وبجهود فردية في مركزه الفني من تعليم الفئات العمرية الصغيرة والمتوسطة كمحاولة لفرض ثقافة فنية صحيحة لمجتمعنا.
 
تشغيل الخريجين 
اما الموسيقي فقار عبد الحسين، فقال: ان سبب تهميش درس الفنية الملم بجميع الفنون وخصوصا الموسيقى هو الاهمال الحكومي المقصود للمؤسسات المسؤولة في ترسيخ هذا الموضوع المهم، مبيّنا لو وجدت هناك محاولات حقيقية في اعادة بناء المجتمع من خلال ثقافة الطفل فنيا، فستجد جميع الموسيقيين والاكاديميين يسهمون في تحقيق هذا المبتغى، علما ان فكرة تنشيط درس الفنية سيسهم من تقليل العطالة المفروضة على خريجي معهد الفنون الجميلة وكلية الفنون الجميلة ومعهد الدراسات الموسيقية.