- 2 -
المشهد العراقي على المستوى التاريخي يفيد بأنه لاتوجد ( محافظة ولاعشيرة ولاقبيلة) الا وكان السنة والشيعة حاضرين فيها ، وان المصاهرة بين المكونات ( الدينية والمذهبية والقومية ) بلغة الملايين ، ولو حدث من باب الافتراض والخيال صراع طرفاه الشيعة والسنة فانه ينطلق من فراش الزوجية ، هذا هو الشاعر عيسى الياسري يزوج ابنته لشاب سني ، وفيما تزوج الزميل الصحفي واثق صادق (شيعي المذهب) من الاعلامية اسراء (سنية المذهب) فقد زوج الاعلامي والشاعر تركي كاظم جودة
ثلاثاً من بناته لثلاثة شباب من أهل السنة ، وبينما تزوج الزميل الاعلامي الدكتور محمد حمود الفهداوي من فتاه كردية ، تزوجت ابنة شقيقي من شاب تركماني ، ولا انسى صديقي صلاح الحديثي الذي زوج اثنين من بناته لشابين شيعيين ، وولدي مخلد الذي تزوج من شابة شيعية ، وعندي من هذه الزيجات وعندكم مما يمكن ان اذكر وتذكرون مالايحصى ولايعد .
شيء من ملامح اللغة المذهبية والدينية والقومية بدأ يظهر بعد عام 1979 واشتغال السلطة عبر تمثيلية تسليم الراية من البكر إلى صدام حسين ، غير ان هذه اللغة ظلت محدودة ولم تتحول الى ظاهرة الا بعد قيام مجلس الحكم ، الذي يعد الخطوة المبكرة لتبلور اللغة الطائفية مذهبياً ، حيث انتقلت مفردتا (سنة وشيعة) من التلميح إلى التصريح ومن السر إلى العلن ، ولم يمضِ وقت طويل ، وبعد ان تلقف المنتفعون من سياسيي العزف على أوتار المذهب ، حتى أصبح كل شيء في الحياة العراقية يحسب بحساب السنة والشيعة ، حتى ما عاد التمييز بين (الشيعي والسني) يتم على وفق دار العبادة مثلاً أو طقوس العبادة ، وانما على الموقف السياسي .. فأنت سني أو شيعي على ضوء موقفك من تأييد الدستور أو رفضه ، أو موقفك من بشار الاسد هل هو زعيم ثوري وحاكم عادل ، أم ارهابي ومجرم حرب، أو موقفك – وهذا هو الاخطر – من تركيا او ايران او السعودية او البحرين.. الخ، أي تم ( تدويل) المذهب لصالح (الخارج)، وهي استهانة بالتاريخ النضالي المشرف للعراقيين بشتى أطيافهم ومسمياتهم ... وبحسن نية أصبحنا نسمع ونشاهد دعوات الى (الصلاة المشتركة ) وكأنها ابتكار جديد،
ومع الإقرار بالنوايا الحسنة ولكن مثل هذه الدعوة تشير الى تبدل نوعي في العلاقة مابين المذهبين وصل إلى العراق عبر منفذين(عقلية الدبابة الأميركية وأجندتها .. والمصالح الأنانية لبعض راكبي الدبابة من العراقيين)، والا متى كان السنة والشيعة لايصلون صلاة مشتركة في مساجد بعضهم البعض؟!
ومن الطبيعي ان يرافق مثل هذه المظاهر الشكلية حديث بصوت عالٍ حول المحاصصة والكثرة والقلة ونصيبي ونصيبك من الحقائب والمناصب والدرجات الخاصة، ولاشيء يضمن اكبر حصة من هذه الامتيازات غير التمسك بتعميق المذهبية وتجذيرها ... باختصار فان قنبلة
الغاز المسيل للدموع لم تكن اختراعاً عراقياً ، انها صناعة اجنبية
بامتياز نفذتها اياد محسوبة على البلد ، ولكن سرعان ما استيقظ
شيعة العراق وسنته ، واكتشفوا مخاطر اللعبة السياسية القذرة ،
ووضعوا علامات خزي وعار على الوجوه التي حاولت الاختباء في دخان القنابل.