هتاف الحب في الغربة

العراق 2019/08/20
...

ابراهيم سبتي
كلفت مع زميلين آخرين، بزيارة احدى المدارس الاهلية العراقية في تركيا لغرض فحص وتفقد سجلاتها وبنايتها وصفوفها ومختبراتها وورشها، لمنحها اجازة رسمية لمزاولة عملها كمدرسة عراقية تدّرس نفس المناهج الوزارية وتسير على نفس القوانين الخاصة بالمدارس العراقية. 
حين وصلنا الى احدى المدن التركية الجنوبية التي تقع فيها المدرسة وتكثر فيها الجالية العراقية والعربية، استقبلنا الزميل مديرها ومعاونه. كان ذلك في الشهر الثامن وقبل بداية السنة الدراسية. كان المدير من مدينة الرمادي العزيزة وبدا قلقا بعض الشيء كما شعرت، لأنه سمع بان الوفد الذي سيتفحص المدرسة يضم اثنين اصلهما من جنوب القلب.
فبانت على وجهه بعض علامات الخشية من مشروعه ربما سيتعطل ويلغى ان لم تمر الامور كما يجب. لمحته متثاقلا في سيره معنا ونحن نتفقد البناية وصفوفها وملحقاتها. ابدينا بعض الملاحظات من شانها تطويرها كمؤسسة تربوية تليق باستقبال طلبتنا هناك.
وبعد ساعتين من التفتيش حرص على ضيافتنا في الادارة الجميلة المترتبة ترتيبا مبهرا. 
شربنا الشاي وتكلمنا عن السجلات وحاجة المدرسة لكل سجل منها. عندها اوضح الرجل انه لم تفته فائتة ولم ينس شيئا ابدا باعتباره تربويا قديما وكان حريصا على اظهار مدرسته بالمظهر اللائق. في اليوم التالي كان تفتيشنا يقتصر على المختبرات والورش الاخرى وكان الرجل قد سعى لتجهيز مدرسته بالمواد الجيدة والغالية. وبعد اربعة ايام من مزاولة عملنا في المدرسة كلجنة وزارية، كان سعيدا ومسرورا بتعاملنا معه وبحرصنا وتربويتنا التي بانت من خلال توجيهاتنا التي تصب في صالح المدرسة والطلاب والمنهج. افصح عن مشاعره الحقيقية حين قال لنا بانه كان خائفا او قل مترددا وقلقا من هذه اللجنة (لجنتنا) لأنه خشي من انعكاسات معينة قد لا تجري بعدها الامور بصورة طبيعية.
وامعن في الحديث معنا حين كشف المستور بقوله : بصراحة كنت اردد مع نفسي بان هذه اللجنة سترفض المدرسة وترفض المشروع برمته لانني مديرها. ضحكنا ضحكة عراقية اصيلة نابعة من قلوبنا المتحابة حين قلنا له بان هذه المدرسة هي مدرستنا وانت جزء منا واهلك اهلنا ومدينتك العزيزة مدينتنا لأنك عراقي وهذا وحده يكفي. انثالت دموعه وهو يرتشف الشاي العراقي المتميز النكهة والمذاق. بعد انتهاء مهمتنا الرسمية طلب منا استضافتنا استضافة عراقية خالصة وهكذا وجدنا الرجل وقد نقل مآثر وكرم وشهامة اهله الى تركيا من خلال الافراط في كرمه الذي ينم عن اصله الطيب وشهامة وعزة نفسه. تبادلنا احاديث السياسة والمجتمع والتربية والمناهج ووسائل التطور الحديثة التي تزيد من حب الطالب لمدرسته بفعل تقنيات التربية الحديثة وهكذا استمر الحديث حتى المساء حين ودعنا بحفاوة بالغة طالبا منا مرافقتنا يوم غد في حلنا وترحالنا. 
في مساء اليوم التالي كان الرجل ينتظرنا في صالة الفندق حين حملتنا سيارة الاجرة الى مقهى عراقي تضم الشباب والشيوخ العراقيين وهم ينتظرون منتخبنا الوطني يخوض مباراته الدولية مع منتخب احدى الدول. جلسنا مع المتفرجين وعند بدء المباراة تعالى التصفيق والهتاف. بعد عشرين دقيقة سجل منتخبنا الوطني اول اهدافه فتعالى الهتاف ثانية وانثالت دموع الفرح من عيون جميع الحاضرين فيما كان صاحبنا قد استمر في زخ الدموع فرحا بمنتخبه ومرحبا بنا. قلنا هذا عراق مصغر يحبه الجميع ويهتف له حتى في الغربة.