مرأب العلاوي!

الصفحة الاخيرة 2019/08/21
...

 جواد علي كسّار
كان الوقت قد أوشك على الغروب حين دخلتُ إلى مرأب العلاوي، فسألتُ أحد أصحاب المحال عن اتجاه القبلة، وفيما إذا كان بمقدوره تزويدي بسجادةٍ للصلاة، فدلني متكرّماً إلى حسينية عند أحد مداخل المرأب، ففرحتُ للخبر بيد أن الفرحة سرعان ما تبدّدت، حين رأيتُ الوضع البائس لمصلاها، من حيث الارتفاع الشديد في درجة الحرارة، التي بلغت نهاراً ذلك اليوم 49 درجة، وكانت لا تزال تتخطى الأربعين ونحن في أول الليل، ومن ثمّ لم يكن من دور للمبردة الوحيدة في المصلى، سوى إنصافها بتوزيع الهواء الحار على المصلين!
أضف إلى ذلك تواضع الفرش والأثاث المتهالك القديم، وسوء المرافق الصحية. كان هذا عند أحد أبواب الدخول، ولم يكن الوضع مختلفاً في المصلى والمرافق الصحية عند موقف المركبات، حيث كنتُ أتجه والعائلة صوب النجف الأشرف منتصف عطلة عيد الأضحى، فالمصلى يقع في غرفة «كابينت» حديدية لك أن تتخيّل درجة حرارتها، وهي تبدو وكأنها تقذف بالحمم بوجه المصلين والمصليات، مضافاً إلى الرداءة الشديدة للمرافق الصحية، وسوء تعامل القيّم عليها، وانعدام الإنارة!
لستُ أذكر على وجه التحديد أول مرّة دخلتُ فيها مرأب العلاوي، لكن المؤكد أن ذلك يعود إلى ما بعد منتصف سبعينيات القرن الماضي، وأعتقد دون أن أقصد التشويش، أن وضع هذا المرأب المركزي للعاصمة يبدو أسوأ الآن، فالاضطراب يعمّ المكان، يستصحب معه الضجيج، ويرافقهما انعدام النظافة، وانتشار سيئ للمحال التي تمارس عملها دون رقابة، خاصة محال الأطعمة والأشربة وأكشاكها الموزّعة على نحوٍ نافر، وكأن الداخل إلى المرأب في سوق هرج، لا يجد خبراً للنظام إلا في مفردة واحدة، هي العوارض الإلكترونية لدخول المركبات وخروجها!
أما «الجملونات» الحديدية المرتفعة التي تُضلل المسافرين، ومن المفروض أن تحميهم من حُمم حرارة شهر آب وحرارة صيفنا وقيظه، فهي تُذكرني دون ادّعاء أو مبالغة، بعنابر الأمن العامة و«جملوناتها» العالية المصمّمة لسحق كرامة الإنسان ووأد شعوره بالإنسانية، كما جرّبتُ ذلك وغيري كثير، أواخر سبعينيات القرن الماضي!
الغريب وعلى مدار أكثر من أربعة عقود من العلاقة بهذا المرأب، لم ألمس وجوداً لشجرةٍ أو خضرةٍ تنبسط على الأرض، تتحوّل إلى ظلال يتفيأ بها المسافرون، وتستريح على بساطها الأسر، وهي تنتظر دورها إلى مقاصدها لمختلف مدن البلاد، برغم سهولة خطوة كهذه في ظلّ أرض شديدة الخصوبة كأرض بلادنا، ولو بأن تنتشر الحدائق من حول المرأب نفسه.
لم يقتصر هذا الحال على مرأب العلاوي وحده، بل هو يشمل مرأب النجف الأشرف على نحوٍ أسوأ، وكذلك مرأب كربلاء والحلة وغيرها من المدن.
أعتقد صادقاً أن التغيير ممكن وليس شاقاً، فما أيسر العناية بإنشاء الحدائق وألعاب الأطفال، وقبل ذلك المرافق الصحية، والمصليات، وصنابير الماء البارد، والأكشاك الأنيقة، واستبدال السقائف الحديدية؛ كلّ ذلك في الطريق إلى تأسيس مرأب عصري على مثال ما نشهده في كثير من بلاد الجوار، لاسيّما إيران وتركيا، دون أن ننسى الإشراف على نوعية المركبات، وتقليص مقاعدها بإلغاء الكراسي الصغيرة التي تُضاف إليها قصراً، وبثّ لمسات الذوق خاصة في السلوك الإنساني!