الفكرة ببساطة ان السكينة والهدوء، هما حاجة للإنسان العراقي كحاجته لبقية ضرورات الحياة، وهما إلى جوار الطعام والشراب والنوم والجنس والصحة من أبجديات الوجود، بل بهما يهنأ الإنسان بطعامه وشرابه ونومه وتواصله الجنسي، كما جميع نشاطاته الأُخر.
هناك من يسعى أن يقدّم تفسيراً طبيعياً مستعيناً بالتاريخ والجغرافية، فيما يذهب إليه من أن عدم الاستقرار عند الإنسان العراقي هو أمر مركوز في فطرته وجبلته، وهذا ما تأباه الطبيعة الإنسانية، بل هو يتنافى مع العدل الإلهي، وتجارب الأمم والشعوب من حولنا، وفي مختلف حقب التاريخ البشري.
أسجّل على نحو مباشر، ان الراحة والاستقرار هما ما يمنح العراقي سكينة الداخل، فيهدأ كبقية خلق الله، ويقلّ صخبه وتتضاءل شكواه الدائمة وضجيجه، حين تستقرّ الحياة من حوله. والاستقرار من حوله مسؤولية مزدوجة، تقع على عاتقه كما على بقية الفواعل المؤثرة، لاسيّما المؤسّسة السياسية، لكن بتفاوت بين الطرفين، فمسؤولية الدولة أكبر، لأنها أكبر مالك للثروات وصاحب القرار في كلّ شيء تقريباً. لا تزال الدولة متضخمة في واقعنا وفي حياتنا كعراقيين، يكفي أن نلتفت إلى هذا التضخم من خلال طبيعة الأحاديث التي تدور في بيوتنا وفي الشارع ووسائل النقل العام، إذ يكاد يكون محورها جميعاً الدولة والشأن السياسي.
لذلك كلّه ينبغي للدولة أن تتحمّل المسؤولية في توفير مقدّمات السكينة والاستقرار، بما يتناسب مع حجمها وقدراتها وضخامتها، أو أن تصير إلى التنازل عن بعض حجمها إلى الناس، لكي تتوزّع المسؤولية. أما أن تكون هي من يستأثر بكلّ شيء، ثمّ تحاسب الناس، فهذه قسمة ضيزى.
في الطريق إلى السكينة نحتاج إلى اقتصاد وطني مزدهر، وفرص عمل محترمة، وخدمات تتناسب مع الإنفاق. ولستُ أقصد بالاقتصاد المزدهر هذه النزعة الاستهلاكية المقيتة، أو الأرقام الخادعة عن معدّلات النمو العالية الناشئة أساساً، عن الطابع الريعي للاقتصاد العراقي وخاصيته الأحادية؛ في أنه اقتصاد نفط وحسب.
في الطريق إلى إشاعة السكينة وبثّ الطُمأنينة والاستقرار نحتاج إلى فاعلية أكبر للمؤسّسة الدينية وحاضرة النجف الأشرف. في الطريق إلى السكينة نحتاج إلى استقرار الحالة السياسية، كما نحتاج إلى إعلام هادئ حريص على الإنسان، بعيد عن الإثارة والضجيج والصخب.
في الطريق إلى السكينة نحتاج إلى حالة من الحنو والمودّة والأبوّة بين الأبّ وأسرته، والأستاذ وطلابه، ورجل الدين والناس، والمسؤول والمواطن. هكذا تنشأ الرحمة، ومع الرحمة تنزل السكينة، وبالسكينة يتبدّل المحتوى الداخلي للإنسان العراقي فينزعج حينئذ من الظلم، ويستفزّه سقوط قتيل واحد، فتخفّ الجرائم ويتضاءل الظلم، وتزداد المكارم وتتفوّق الأخلاق وتظهر المروءة بإذن الله.
بالتنقيب في تأريخ الإنسانية من حولنا نعرف أمماً وشعوباً عاشت بدون طائرات وقطارات ومركبات، وبلا انترنت وحاسوب ومصاعد كهربائية، لكن ما ثمة برهة نعرفها في تأريخ الإنسان عاش بلا دين، وأحد أسرار ذلك ان الدين مصدر السكينة، وبالتأكيد لا أقصد به المظاهر الصاخبة والضجيج والطنطنة، بل دين الله وحسب، بنسختَيه الوجودية والتدوينية!