[I]
كيف يمكن أن يُمارس الإصلاح في موضوع بعينه من موضوعات المجتمع والإنسان، اِنطلاقاً من التَّساؤل العلميّ عنه؟ وبأية معانٍ علينا أن نتساءَلَ عنه؟ ينتمي الإصلاح إلى الماضي، فيما ينتمى التغيير إلى المستقبل.
نعني أن الإصلاح يتضمَّنُ، دائماً قَبْلِيَّاً، البِنيَةَ التي، في لحظة تاريخية بعينها، دخلت في الأزمة المجتمعيَّة، ويأتي الإصلاح ليكون ظرفاً يمكِّنُ البِنيَة من اِستعادة شكلها، ومضمونها السابق. بينما ينتمي التغيير إلى المستقبل. التغيير، على الدوام، هو يوتوبيا Utopia تحمل بِنيَة بَعْدِيَّة تحلُّ مَحلَّ البِنيَة القَبليَّة.
[II]
فحينما نتكلم عن الإصلاح فإننا، في الحقيقة، نشير إلى أن البِنيَة المجتمعيَّة الحالية إنَّما هي ذاتها التي اِستمرت وتستمر في [التَّاريخِ- المجتمعيِّ] الذي من شأن مجتمع بعينه. فإذا قلنا، على سبيل المثال، إصلاح النظام بعد الثورة، معنى ذلك أننا نعترف بالنظام الذي كان سائداً قَبلَ الثورة، ونعترف بأن النظام هذا ذاته قد تعرض لأزمة، ونحن في موقع إصلاح، وبالتالي تجاوز، هذي الأزمة.
[III]
ولكن، متى قام التَّساؤل عن التغيير، نكون أمام بِنيَة مجتمعيَّة، ونظام مجتمعي (ضمن البِنى المجتمعيَّة الأساسيَّة الثلاث: بينة الثقافة، وبينة الاِقتصاد، وبنية السياسة)، مختلفَيْن كُلِّيَّاً عما كان سائداً قَبلَ التغيير.
[IV]
ولكن، ما هي أساساً الأزمة المجتمعيَّة التي، بعد ذلك، تكون مبرراً وجودياً للإصلاح أو التغيير؟ داخل [الأزمة- المجتمعيَّة Societal Crisis]، نحن نكون أمام ثلاثة مفاهيم أساسيَّة يجب أن يُعاد التَّساؤل عنها. هذي الـ[يجب] تأتي من الخلط الكبير، بين هذي المفاهيم، الممارس من قِبَلِ باحثين، وكتَّاب، وعلماء، وأساتذة جامعيين، وأخيراً من قِبَلِ زعماء سياسيين في البلدان العربيَّة كلها، من دون اِستثناء. -I يتمثَّل المفهوم الأول في فهم المعادلة العِلميَّة الرابطة بين [البِنيَة- والمؤسسة-والآيديولوجيا]. -II كما يتضمَّنُ المفهوم الثَّاني [معادلةَ- فهمٍ] تتمثَّل في العلاقة السَبَبِيَّة- والتأويليَّة بين الوظيفة المجتمعيَّة للمفهوم، بعامَّةٍ، والوظيفة السياسيَّة للمفهوم، بخاصَّةٍ. -III ويظهر المفهوم الثَّالث في التَّواشج العميق بين ثلاثة أطراف: -I السلطة، وممارستها، و -II مصدر مشروعيَّة السلطة، -III العلاقة بين مصدر مشروعيَّة السلطة وبين البِنى المجتمعيَّة الأساسيَّة الثلاث.
[V]
وفي هذه الحال، من يريد الإصلاح، فإنَّه في الحقيقة، يكون، ضمنيَّاً، بوعي أو من دون وعيه، ساعياً إلى الحفاظ على الرابطة بين البِنيَة، والمؤسسة المجتمعيَّة، والآيديولوجيا، في مجتمع بعينه، كما كانت، بإضافة أو حذف، هنا أو هناك، جزئيَّاً. ومن يريد التغيير، يكون، ضمنيَّاً، بوعي أو من دون وعيه، ساعياً إلى إنشاء رابطة جديدة بين البِنيَة، والمؤسسة المجتمعيَّة، والآيديولوجيا، في مجتمع بعينه، كما لم تكن من قَبْل، بيوتوبيا بعينها، من هنا أو هناك، كُلِّيَّاً.
[VI]
فلماذا كل هذا الخلط يا ترى؟ إنَّه يأتي من الجهل بأدوات الفهم، ووسائل التَّساؤل، وقواعد بناء الفهمِ، من جهة، ووهم الفهم بالمضامين، والمنظورات العِلميَّة المتعدِّدَة في علوم المجتمع والإنسان الحديثة، من جهة أخرى. بَيْدَ أنَّهُ، ما هي الضرورة للفهم، والتساؤل، وبناء الفهم، ووعي المضامين والمنظورات هذه؟ إنَّه تساؤل الدولة... وهكذا، فإنه بالتغيير تصير الدولة دولةً، وليس بإصلاح مؤسسة الفساد المجتمعيَّة، كما كانت، لما كانت، وبما
كانت.