د. وليد الحلي
لم ينتفض الإمام الحسين (عليه السلام) من أجل مكاسب دنيوية ولا لرد خصومة شخصية أو عائلية، وإنما لتحقيق العدل ونشر القيم الأخلاقية ومقاومة الباطل والفساد، قائلا: " إنِّي لَمْ أَخْرُجْ أَشِراً وَ لَا بَطِراً وَلَا مُفْسِداً وَ لَا ظَالِماً، وَإِنَّمَا خَرَجْتُ لِطَلَبِ الْإِصْلَاحِ فِي أُمَّةِ جَدِّي (صلى الله عليه وآله)، أُرِيدُ أَنْ آمُرَ بِالْمَعْرُوفِ، وَ أَنْهَى عَنِ الْمُنْكَر".
إن ما جرى في كربلاء من مصائب لأهل بيت النبوة في معركة الطف عام 61 هجرية، حرك العواطف الجياشة للمسلمين وغيرهم والذي استمر لـ 14 قرنا بأشكال متنوعة .
واختلفت طرق التعبير لما حدث، فمنهم من اهتم في الجوانب العاطفية فقط في إقامة التعازي والمواكب والمآتم، فحسب من دون الاهتمام الكافي بالجوانب العقائدية والسياسية التي أدت الى انتهاك حرمات سيد شباب اهل الجنة وذويه وأهله وإخوته وصحابته، وآخرون اهتموا بتبني شعارات انتفاضة الإمام وأهدافه في ابعادها النظرية فقط، وكانوا في الواقع يعملون خلاف التزامات منهج الإمام الإصلاحي في الجانب الأخلاقي والسلوكي، اذ ان علاقتهم الحقيقية مع انتفاضة الامام لا تتعلق بممارستهم الفساد المالي والإداري والسياسي والاجتماعي في أعمالهم وعلاقاتهم!!
ومن هنا يتعرض الإنسان الصادق مع منهج الإمام إلى اختبار عن مدى مصداقيته وتأثره بهذا النهج في الجوانب العملية في حياته.
يقول الإمام الحسين (ع): إن "الناس عبيد الدنيا، والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درت معايشهم، فإذا ما مُحصوا بالبلاء قل الديّانون".وهناك من حمل نهضة الإمام بقوة في كل جوانبها العاطفية والمبدئية على مر التاريخ وجاهد وقارع الظلم والطاغوت، ومنهم من قدموا الضحايا الجسام، وساهموا في التوعية الإصلاحية بتصحيح الانحراف عن المضامين القيمية والعملية التي تشمل جوانب الإصلاح الديني والسياسي والاجتماعي والاقتصادي والعلاقات وغيرها.إن انتفاضة الإمام الحسين شكلت سدا منيعا لتمادي الفكر والسلوك المخالف للدين الحنيف والذي يحاول البعض مثل داعش وأشباههم إحياء ذلك التاريخ الأسود بكل ما يحمل من سلوكيات ومنهجيات شكلت وما زالت تشكل أبشع صور التشويه للدين الإسلامي.
إن مشروع الإمام الحسين أهتم بتأهيل الإنسان ليعي التزاماته في معركة الحق ضد الباطل بكل مداها الواسع وفي كل زمان ومكان، والوفاء بالعهد والصدق في التعامل والسلوك الحسن، وعدم اللجوء إلى المكر والحيلة والظلم مع الآخرين، والوقوف مع الحق والعدل حتى النصر أو الشهادة.