مرت واقعة الطف 61 هـ بتحولات دينية وسياسية واجتماعية، من خلال تراكم فهم الاجيال المتعاقبة، لمعطياتها، وتمثلهم الحكمة الإلهية في خلود الموقف الراسخ، بايمان أقوى من وهن الجسد البشري الفاني.
رصدت الآداب والفنون والتنظيرات الفكرية الواقعة، وأعادت قراءة موقف الشهيد الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام)، ثائراً.. حفز بدمه أمماً على نفض غبار الخنوع لظلم الطغاة.
ومن بين الفنون، تأملت مواهب التشكيليين المحترفين، بالطف، فجادت بأجمل المنحوتات واللوحات وقطع الخزف، ايقونات رؤيوية خالدة.
قال مدير عام دائرة الفنون العامة في وزارة الثقافة د. علي عويد: «استحضار رموز التاريخ، بلغة فنية إيجابية، تسهم بانتشار القيم المثلى، جزء من واجب وزارة الثقافة والسياحة والآثار، التي تسعى الى تداول المعاني الرفيعة شعبياً، من خلال النحت والرسم وسواهما من الفنون» مؤكداً: «هذا شعور متبادل بين الفنان وجمهوره، يتسرب عبر الدائرة كمحرك للثقافة، ورعاية شؤون محترفيها، بمفاصلها كافة.. من فن وأدب وسواهما من مرتكزات البناء والتواصل الحضاري الاخرى».
أضاف د. عويد: «واقعة الطف، تنطوي على معانٍ كبرى، يجب على المثقف والمبدع ضخها بأساليب متقدمة تتطور مع صيرورة الزمن» متابعاً: «وجد الفن التشكيلي في المواعظ الكبرى التي تنطوي عليها واقعة الطف، وسائل تعبير قصوى».
وأشار الفنان د. مكي عمران: «التشكيل العراقي تعامل مع هذا الموضوع، بروح جمالية، متجلياً في اعمال شاكر حسن آل سعيد، وكاظم حيدر، وضياء العزاوي، في معرضه عن الشهيد، ورافع الناصري، من خلال كولاجات وبوسترات، في معارض اقيمت داخل بغداد والمحافظات، منها معرض بابل 1970» شخصياً بيَّن د. عمران: «تناولت الطف في اكثر من تجربة، عرضت منها لوحة «ملحمة الفداء» في مهرجان بغداد الثالث، مقدماً فيها الطف كثورة من منظور صراع الحق والباطل».
وأوضح: «واقعة الطف، قضية إنسانية، تناولتها بحس تشكيلي، متعاملاً معها كظاهرة عميقة وتجذير ثوري، يرتب الفنان صياغة مفرداتها» داعياً: «على الا يعيدها مسرحياً، إنما بانتقاء مفردات رمزية تأخذ رمزية عراقية وإنسانية وإسلامية.. كائنات حية».
عائداً الى نفسه، يرى الفنان د. مكي عمران: «انجزت دفتراً تشكيلياً كاملاً من وحي واقعة الطف، وبطولات الضعيف عندما ينتصر بموته على القوي» مواصلاً: «إنها ليست إقليمية، إنما ظاهرة كونية؛ فنسبية إنشتاين ليست للالمان حصراً ولا جورنيكة بيكاسو، للاسبان فقط، تناولت الشهيد الحسين.. عليه السلام، تحت هذا الفهم وبهذا التصور، فلوحاتي لها قراءات متعددة، تحلق عرفانياً بمستوى اعلى من بنية الصراع الاول، إزاء الكون».
ولفت الى ان: «الحسين(ع) موقف وجودي.. قاوم؛ كي يموت واقفاً من اجل مبدأ، ذهب للموت مختاراً بالحق؛ لذلك خلده الله، تعلمنا منه الموقف الاخلاقي والوطني» مفيداً: «الفن ينظر للحسين(ع)، على انه علامة انسانية مطلقة وموجه وطني على مر الاجيال، ممكن تجسيد وقائع ثورته في بانوراما كبيرة».
ذكر د. فاخر محمد: «اشتغل كاظم حيدر، في العام 1967 ملحمة الشهيد، عن الحسين.. عليه السلام، مقدماً رؤية اكاديمية للشهادة، وضياء العزاوي ورافع الناصري وشاكر حسن آل سعيد، في الخمسينيات، ود. ماهود احمد.. رسماً، والنحات حميد العطار» معلناً: «توظيف معاني ثورة الحسين، في التشكيل، عامة وشائعة».
الى ذلك استطرد الفنان حسام عبد المحسن: «رسمت عن الطف عشر لوحات، تمثل أيام الواقعة العشرة.. بدءاً من الليلة الاولى الى الاخيرة، استمراراً الى السبايا».
مضى الفنان باسم التكريتي، بالحديث عن الطف: «تفرد تاريخي، تماهت معه الاعمال التشكيلية، خارجة منه بأفكار مهمة».