التوازن والتطرف

الصفحة الاخيرة 2019/09/13
...

حسن العاني 
 
يقال إن العراقيين متطرفون في آرائهم، كل شيء بالنسبة لهم ابيض أو أسود، لا يستهويهم اللون الرمادي، ولا يميلون الى الحلول او المواقف الوسطية، وهذا التطرف عام شامل، في الحب والكره، وفي الدين والسياسة والرياضة، وحتى في الادب والشعر والثقافة والنقد، وكذلك هو امرهم مع الزواج والطلاق والتسامح والعنف والكرم والغضب والحزن 
والفرح...الخ.
وقيل في تفسير هذه الظاهرة الغريبة اكثر من قول واجتهاد، فهو المناخ مرة حيث ما مرّ على الشعب منذ قيام الدولة وتشكيل الحكومة، شتاء الا وغرقت عشرات الاحياء السكنية، وهجرت الناس منازلها، ولا صيف الا واحترقت الجلود واسودت الوجوه حتى بعد دخول الكهرباء الى البلاد والى عامنا المبارك هذا، ومرة اخرى هو الدكتاتورية والظلم الاجتماعي والانظمة السياسية الجائرة - باستثناء انظمة ما بعد 2003 الديمقراطية-، ولا بد ان الدكتاتورية والظلم والفقر والقهر والجوع تعدُّ العوامل الرئيسة في التأثير السلبي في تركيبة العراقي ومزاجه ونفسيته، ودفعه الى التطرف وسرعة الانفعال والغضب وعدم الترّوي في اتخاذ 
القرار.
امام هذا المشهد العام كان من حق الجمهور الذي استمع الى محاضرة الدكتورة فريـال العبودي (ماجستير علم النفس من جامعة اكسفورد ودكتوراه في علم الاجتماع من جامعة السوربون) أن يستغرب استغراباً غير مسبوق، فلأول مرة يصغي الى صوت عراقي، هادئ ومتوازن وبعيد عن التطرف، حتى تهامس البعض بأن تلك السيدة الجميلة التي لم تتجاوز الخامسة والثلاثين من عمرها قد تأثرت بوجودها خارج العراق، وفي بلدان تحترم الاراء الموضوعية المتوازنة، في حين تهامس البعض الاخر، إن هذه السيدة عراقية اصيلة وتمقت سلوك الخارج والغرب وافكارهم، وانها تتحدث بلغة المنطق والعقل بعيداً عن جيناتها 
الوراثية.
الدكتورة فريـال نبهتْ جمهورها الى خطأ بعض المحللين السياسيين المتطرفين الذين يزعمون ان العراق لم يعرف الرشوة والفساد المالي والاداري الا بعد نيسان 2003، ولم يعرف كذلك ظاهرة الفضائيين والمشاريع الوهمية وسرقة المال العام وشرعنة السرقة وتقنينها الا بعد الاحتلال، وخطأ في خطأ ما زعموا عن تزوير عشرات الالاف من الشهادات وعقارات الدولة والناس، وبيع المناصب 
والتلاعب في اصوات الناخبين.. الخ الا بعد عام 2003، لان الحقيقة التي يمكن اثباتها بالارقام والوقائع والحالات هي ان هذه (المظاهر السلبية) جميعها، وبدون استثناء كانت موجودة قبل 2003، ويجافي الحقيقة كل من يزعم غير ذلك.
إما لأنه متطرف في رأيه، أو لأنه بلا شك يخدم اجندة سياسية – ربما خارجية معادية للنظام الديمقراطي– ولكن الامر الوحيد الذي يمكن ملاحظته في هذه المظاهر انها كانت سابقاً تجرى في السر وحالياً في العلن!!