في ظلِّ غياب النَقد ... والنُقّاد

الصفحة الاخيرة 2019/09/13
...

 رضا المحمداوي
تَرَسّختْ مهرجانات سينمائية عالمية وعربية، حتى أصبحتْ عنواناً لمدى تطور الفن السينمائي ومواكبة آخر الإنجازات السينمائية، فضلاً عمَّا تنطوي عليه هذه المهرجانات من إعتراف وتقدير بجهود الفنانين من ممثلين ومخرجين وكُتّاب سيناريو وفنيين بجميع الاختصاصات والمهن الفنية.
عملتْ المهرجانات على الاحتفاء بالنقد والنقاد وعَمَدَتْ على الزج بالأسماء النقدية المُهِّمة والفاعلة في لجان التحكيم السينمائية، بل أنَّ الكثير من تلك المهرجانات خصّصّتْ جوائز فنية للنقد والنقاد، عُرِفتْ بـ ( جائزة النقاد) تمنحها باسم النقد وكتّابهِ من مزاولي المهنة الشاقة الى الاختصاصات الفنية الداخلة في صناعة الافلام السينمائية وباستقلالية كاملة عن النتائج الرسمية، وجوائز لجان التحكيم الرئيسة، وذلك اعترافاً من القائمين على المهرجانات بإهمية النقد وخصوصية النقاد بما يحتكمُ إليهِ عملهم من مرجعية أكاديمية.
ومقابل الحضور المُمَيَّز للنقد والنقاد في المحافل السينمائية، فإن التلفزيون وفنونه الدرامية والبرامجية والوثائقية والإعلامية بما عُرِفَ عنه من غزارةٍ إنتاجيةٍ وبثٍ على مدار الساعة وارتباطهِ بجمهور عام وقنوات تعمل ليل نهار وتطلق أقمارها الاصطناعية في الفضاء المفتوح من أجل ضمان بث واستلام الاشارة السابحة في الكون الفسيح... إزاء هذه المواصفات والخصائص فإن التلفزيون، في الدول العربية لم يستطعْ ترسيخ اسم وعنوان أحد المهرجانات التلفزيونية بما يتلاءم وأهمية جهاز التلفزيون وقوة حضورِهِ في الحياة الاجتماعية مع ما يشهدُهُ العمل التلفزيوني من تطور تكنولوجي مضطرد في فنونهِ ونتاجاتهِ بشكل عام؛ وفي ظل غياب هذه المهرجانات وهامشية حضورها الفني والاعلامي غاب معها النقد والنُقّاد، في متابعة وتقييم الانتاجات التلفزيونية. 
 
لقطة رقم 1  
عالمياً يمكن الإشارة الى جوائز الكَولدن كلوب التلفزيونية الاميركية التي تُمنحُ للاعمال الدرامية التلفزيونية الناجحة، ويمكن الإشارة الى جوائز البافتا البريطانية الخاصة بالاعمال الدرامية، إلاّ أن هذه الجوائز ومسابقاتها لم تستطعْ أن تنافس أو تشابه مهرجانات السينما في النجومية والحضور والألق الاعلامي.
 
لقطة رقم 2
عربياً ألغي مهرجان القاهرة للإذاعة والتلفزيون، رسمياً بسبب ارتفاع تكاليف تنظيمه وعدم حصوله على الايرادات المالية الكفيلة باستمراره، وقد تَرَكَ هذا المهرجان بعد إلغائه فراغاً لم يشغله سواه، حاول مونديال القاهرة للإنتاج الاعلامي، ان يكون بديلاً، وسرعان ما  دخل في إشكالات إدارية وتنظيمية.
 
لقطة رقم 3
 وكان يمكن لاتحاد الاذاعات العربية برغم الإشكال الذي يحملهُ في عنوانه الرئيس (الاذاعات) أن يفعّل من مهرجان الاذاعة والتلفزيون، الذي يقيمهُ في دولة المقر.. تونس سنوياً، ويدعمهُ ليكون أكثر حضوراً وفاعليةً بدلاً من هذا التنظيم التقليدي الباهت في تنظيمهِ وجوائزهِ.
 
لقطة رقم 4
مهرجان الخليج التلفزيوني، منذ تأسيسهِ مطلع الثمانينيات، الى لآن يعمل وكأنهُ غير موجود على خارطة المهرجانات الفنية العربية؛ نتيجة انغلاقهِ على المحيط الخليجي، يدور في حلقة مغلقة وضيقة ولم يرسخْ اسمَهُ كمهرجان تلفزيوني له شخصيته الفنية المميزة.
 
مهرجان العراق التلفزيوني  
   في العراق.. رسمياً ليس لدينا مهرجان تلفزيوني واحد، يمكن الإشارة إليهِ، برغم أنَّ العراق عرف التلفزيون منذ أواسط الخمسينيات. 
وسبق لي شخصياً أن قدمتُ مقترحاً لإقامة مهرجان العراق التلفزيوني، يوم 2 ايار من كل عام؛ بمناسبة ذكرى تأسيس تلفزيون بغداد 1956 وشبكة الإعلام العراقي هي الوريث الشرعي لتلفزيون بغداد وقناة العراق الفضائية، هي الأَولى بإقامة هذا المهرجان وترسيخهِ في حياتنا الفنية والإعلامية بشرط توفير التخصيصات المالية اللازمة، برعاية الدولة، وجعل إقامتهِ مناسبة وطنية تجمع الفضائيات العراقية.
ويمكن لهيئة الإعلام والإتصالات أن تسهم فيه، لما عُرِفَ عنها من علاقة وطيدة بالفضائيات، ويمكن ان تدخل دوائر ومؤسسات الإعلام الحكومي على خط الرعاية والاهتمام. 
 
جلسات للجهل.. والمزاج 
في ظل الغياب الرسمي للمهرجان التلفزيوني عندنا نشطتْ بعض المهرجانات المحدودة، التي تدور في حلقات ضيقة مثل مهرجان “الغدير” الذي تقيمهُ قناة الغدير الفضائية، و”عيون” الذي تقيمهُ مؤسسة عيون للفنون، والأخير بحاجة الى مقومات التنظيم والادارة والاعمال المشاركة ولجان التحكيم والجوائز الممنوحة من أجل تثبيت هويته الفنية وتعزيز شخصيته المعنوية.
وما عدا ذلك فثمة حفلات وجلسات فنية تُقام موسمياً وخاصة عقب انتهاء موسم رمضان الدرامي والبرامجي، وكذلك يُقام البعض الاخر منها في نهاية كل عام حيث يتم استذكار الاعمال الفنية التي تم تقديمها خلال العام المنصرم.
وفي ظل غياب النقد والنقاد الدراميين على وجه الدقة والتحديد وعدم الاحتفاء بالاسماء الفاعلة والمتواصلة مع المشهد الدرامي العراقي والساحة الفنية، فإن تلك الجلسات والحفلات تبقى عشوائية وإرتجالية في تنظيمها وكذلك مجانية في منح الدروع والقلائد وشهادات التقدير الكارتونية حيث يبقى الأساس في منح هذه العطايا والهدايا هو الاعتبارات الشخصية والحالات المزاجية المتقلبة.
أن أهم ما تجسدُهُ هذه الجلسات والحفلات العشوائية يتمثّلُ في سيادة الجهل الثقافي والمعرفي العام وشيوع اختلاط المعايير والمقاييس الفنية وضياع القيم النقدية والأكاديمية الرصينة، وكذلك فقدان الإحساس الفني والمهني بالمسؤولية وعدم خضوع الاعمال الفنية المُحتفى بها للتقييم النقدي ولاشتراطات ومعايير النقد الحقيقية الفاعلة في الحقل النقدي.