الرشوة في التشريعات العراقية
العراق
2019/09/16
+A
-A
القاضي كاظم عبد جاسم الزيدي
من مظاهر تدهور الأخلاق و الفساد ظاهرة الرشوة و هي اتجار بالوظيفة العامة و أنها الوجه الأول للفساد الإداري وهي جريمة مستنكرة و رذيلة اجتماعية عانت منها المجتمعات البشرية كافة و مازالت تعاني منها و قد قيل بحق من اثري بأفعال خبيثة أصبح فقيراً في شرفه و لما لجريمة الرشوة من تأثير كبير في أعمال الإدارة و المشاريع الخدمية و التجارية بشكل عام و مع ان قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل قد عالج هذه الجريمة في كثير من جوانبه
مع ذلك هناك من لا تردعه العقوبة المقررة لها أو يحاول إيجاد الثغرات لكي يتمكن من الإفلات من عقوبتها و لم نجد في قانون العقوبات العراقي تعريفاً للرشوة و قد جعل المشرع العراقي الرشوة جناية، و سبب هذا أنها مفسدة للمؤسسات الحكومية سواء قبل الموظف الأجر من صاحب الحاجة نظير عمل مطابق لواجبات الوظيفة أو نظير عمل مطابق لهذه الواجبات، فقبوله أجراً نظير ان يؤدي عملاً مخلاً بواجبات الوظيفة أمر وجه الفساد فيه ظاهر على ان الفساد قائم حتى في قبوله الأجر نظير عمل مطابق لواجبات الوظيفة، ذلك لأنه ملتزم بان يباشر وظيفته دون ان يتقاضى غير الراتب المخصص له و مصدره الخزينة العامة و ان علة تجريم الرشوة ترجع إلى خطورتها على النظم الاجتماعية، كونها تؤدي إلى الإخلال بالثقة العامة و انتفاء العدالة لأنه يدفع المواطن إلى دفع مبالغ إلى الموظف عن عمل هو مكلف للقيام به و يتقاضى راتباً عنه و الرشوة من الجرائم المخلة بالوظيفة العامة المنصوص عليها في قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل وقانون هيئة النزاهة رقم 30 لسنة 2011 ،وان جريمة الرشوة من الجرائم الخطرة حيث تشكل خطراً كبيراً على اقتصاد الدولة و تزعزع الثقة بالإدارات الحكومية وهناك ثلاثة أطراف لجريمة الرشوة و هم كل من الراشي و المرتشي و الوسيط و الراشي هو صاحب المصلحة و الذي يتقدم بالعطاء إلى الموظف أو المكلف بالخدمة العامة ليؤدي عملاً أو يمتنع عنه أو يقبل دفع ما يطلبه الموظف و لا تتم جريمة الرشوة إلا بحصول العرض من احدهما و القبول من الآخر، فالأول يسمى مرتشياً و الثاني راشياً و لكن أساس الجريمة ينحصر بالاتجار بالوظيفة العامة إما المرتشي هو الموظف أو المكلف بخدمة عامة الذي يطلب أو يقبل الفائدة أو الوعد بها إما الوسيط فهو الشخص الذي يتوسط لدى الراشي أو المرتشي فإما ان يكون ممثلاً عن المرتشي
فيقوم بدوره وهو طلب أو قبول الفائدة المعروضة عليه أو الوعد بها أو ان يكون ممثلاً للراشي فيقوم بدوره وهو عرض الفائدة أو المنفعة على الموظف أو المكلف بخدمة عامة أو يقبل بطلبها أو الوعد بذلك و يمكن ان تقع الجريمة بدون وسيط و لكن لا يمكن وقوعها بدون الراشي أو المرتشي و ان جريمة الرشوة جريمة خاصة
بالموظف العام أو المكلف بخدمة عامة حيث الفاعل فيها هو الموظف و على أساس نشاطه تحققت الجريمة والموظف وفقاً لقانون الخدمة المدنية العراقي رقم 24 لسنة 1960 هو ( كل شخص عهدت اليه وظيفة دائمة داخلة ضمن الملاك الخاص بالموظفين ) و عرفت المادة (19/2 ) من قانون العقوبات العراقي المكلف بخدمة عامة بانه كل موظف أو مستخدم أو عامل انيطت به مهمة عامة في خدمة الحكومة و دوائرها الرسمية و شبه الرسمية و المصالح التابعة لها و الموضوعة تحت رقابتها وتقع جريمة الرشوة اذا كان من قام بالفعل الإجرامي المكون لجريمة الرشوة موظفاً أو مكلفاً بخدمة عامة و ما لم تتوافر هذه الصفة في الفاعل وقت الفعل لا تطبق عليه احكام جريمة الرشوة و قد يسأل عن جريمة الاحتيال أو انتحال الصفة و يلزم بالإضافة إلى توافر صفة الموظف أو المكلف بخدمة عامة ان يكون العمل المطلوب القيام به أو الامتناع عنه داخلاً في اختصاصه و ليس شرطاً ان تكون الوظيفة داخلة في اختصاص الموظف مباشرة بل يكفي ان يكون له نصيب فيها يسمح له بتنفيذ الغرض منها وقد نص قانون العقوبات في المادة 308 ( كل موظف أو مكلف بخدمة عامة طلب أو قبل لنفسه أو قبل لغيره عطية أو منفعة أو وعداً بشيء من ذلك لأداء عمل أو الامتناع عن العمل لا يدخل في أعمال وظيفته و لكنه زعم ذلك أو اعتقده خطأ يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على سبع سنوات ... ) فبمجرد الزعم بالاختصاص لقيام جريمة الرشوة يكون كافيا دون اشتراط لوسائل أخرى وقد نصت المادة 307 من قانون العقوبات العراقي على صور جريمة الرشوة حيث نصت على : (1 - كل موظف أو مكلف بخدمة عامة طلب أو قبل لنفسه أو لغيره عطية أو منفعة أو ميزة أو وعداً بشيء من ذلك لأداء عمل من أعمال وظيفته أو الامتناع عنه أو الإخلال بواجبات وظيفته يعاقب بالسجن ...) و من النص المتقدم نجد ان صور السلوك الإجرامي في جريمة الرشوة هي الطلب و هو مبادرة الموظف المرتشي مقابل عمله و هذا يكون مالاً أو خدمة أو منفعة و هذه المبادرة قد تكون شفوية أو تحريرية أو بالإشارة وهذا يعني ان تقع جريمة الرشوة بمجرد الطلب أي مجرد تعبير الموظف عن إرادته في الحصول على مقابل نظير أداء العمل الوظيفي و القبول من قبل الموظف أو المكلف بخدمة عامة و لا يشترط ان تكون الفائدة معجلة و الأخذ حيث يتحقق الركن المادي لجريمة الرشوة بالأخذ و قد لا يتقاضى المرتشي ثمناً عاجلاً، بل يكتفي من الراشي بوعد بالعطاء أو الدفع في المستقبل و هذا أيضاً يعد رشوة و قد تكون المنفعة أو الميزة التي يحصل عليها الموظف أو المكلف بخدمة عامة لقاء العمل ذات طبيعة مادية أو معنوية فقد تكون نقوداً أو فتح اعتماد مصرفي والفائدة المعنوية و هي تكون كذلك في حالة يصير فيها وضع المرتشي أفضل من ذي قبل نتيجة سعي الراشي إلى الحصول على ترقية و يتحقق القصد الجنائي في جريمة الرشوة بتوافر علم الموظف أو المكلف بخدمة عامة بان العطية أو المنفعة أو الميزة هي لقاء القيام بعمل من أعمال وظيفته أو الامتناع عنه أو الإخلال بواجباته الوظيفية و نص المشرع العراقي على عقوبة خاصة بالمرتشي في المادتين (307-308 ) و بنفس الوقت معاقبة الراشي و الوسيط بنفس عقوبة المرتشي في المادة (310 ) من قانون العقوبات كما نص على عقوبة المستفيد في المادة (312) و بالمقابل نص على إعفاء الراشي و الوسيط من العقاب في حالات معينة جاءت بها المادة (311 ) من قانون العقوبات و ان عقوبة المرتشي تتمثل بعقوبة السجن لمدة لا تزيد على عشر سنين أو بالحبس و الغرامة على ان لا تقل عما طلب أو أعطى أو وعد به و عاقب المشرع العراقي الراشي و الوسيط كشريكين في الرشوة حيث نصت المادة ( 310 ) في فقرتها الأخيرة ( يعاقب الراشي و الوسيط بالعقوبة المقررة قانوناً للمرتشي ) و نص المشرع العراقي على عقوبة الحبس بحق المستفيد وهو كل من طلب أو اخذ عطية أو منفعة أو ميزة ليزعم أنها رشوة لموظف أو مكلف بخدمة عامة و هو ينوي الاحتفاظ بها لنفسه و كل شخص اخذ العطية أو المنفعة أو الميزة أو قبل شيئاً من ذلك مع علمه بسببه و لم يكن الموظف أو المكلف بخدمة عامة المقصود بالرشوة قد عينه أو قد علم بهما، لم يكن وسيطاً في جريمة الرشوة و قد نصت المادة 311
من قانون العقوبات على إعفاء الراشي أو الوسيط من العقوبة اذا بادر بإبلاغ السلطات القضائية أو الإدارية بالجريمة أو اعترف بها قبل اتصال المحكمة بالدعوى و يعتبر عذراً مخففاً، اذا وقع الإبلاغ والاعتراف بعد اتصال المحكمة بالدعوى و قبل انتهاء المحاكمة فيها ونجد من الضروري توعية الموظفين بخطورة هذه الجريمة و المحافظة على كرامة الوظيفة العامة و تشديد عقوبة جريمة الرشوة المنصوص عليها في قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل و مصادرة أموال الجاني المرتكب لهذه الجريمة المخلة بالشرف وتشجيع المواطن على الإخبار عند تعرضه لهذه الجريمة من خلال توعية الرأي العام وحثهم على المشاركة بمحاربة هذه الآفة الخطيرة وتوسيع العمل بالحكومة الالكترونية بعيداً عن تماس المواطن مع الموظف