علي حمود الحسن
وطن بلا ذاكرة بصرية، هو وطن عليل بالضرورة، فلا منظومة قيمية تتداولها الأجيال، ولا خبرة متراكمة يستند عليها تقدمها، وللأسف لم تكن الحكومات المتعاقبة امينة على ذاكرة بلدها، فبعد ثورة14 تموز 1958، تم اتلاف الكثير من الأفلام والصور التي توثق يوميات الحكم الملكي، وقد ذكر لي المونتير الرائد كاظم العطري (85) عاما في لقاء جمعني به قبل أيام، بانه غادر وحدة السينما في شركة نفط العراق الى مصلحة السينما التي تأسست بعد الثورة مباشرة، وكان اول تكليف له، هو قص أي لقطة يظهر فيها الملك او الامراء، وهي مهمة مؤلمة لان تلك اللقطات جزء من بنية سردية واقتطاعها يخل بإيقاع الفيلم، وفعل البعثيون والقوميون ما فعل اسلافهم، وكذلك الحال في العهود اللاحقة، لكن المفارقة ان الخرق الأكبر لذاكرة العراق البصرية والثقافية، بل وحتى تلك التي تخص أمنه القومي، حصل بعد زلزال ما بعد 2003، اذ تناهبه لصوص محترفون واخرون لهم مآرب سياسية، وانتعشت عمليات تهريب الاثار واللوحات والمخطوطات النادرة، فضلا عن الأفلام والصور الفوتوغرافية، بسبب الفوضى السياسية والاحتراب الداخلي وغياب الوعي بأهمية الأرشيف البصري، فهو ليس من أولويات احزاب الإسلام السياسي، وكل هذا له أسبابه ومبرراته ، لكن الذي لا تفسير له؛ ان تتعرض آلاف من علب أفلام توثق تاريخ العراق الحديث الى التلف والتخريب بفعل الخزن السيئ في مخازن غير نظامية مشبعة بالرطوبة وتتناسل فيها الجرذان، فيما تنظم مؤتمرات وندوات، تطالب بحفظ الأرشيف وصيانته، او تصور أفلام وتقام ورش فنية، على مسافة لا تبعد كثيرا عن تلك العلب الصدئة المركونة تحت الأنقاض، وكم كانت صدمتي كبيرة حينما شاهدت علبا لأفلام نادرة، رقمت وكتبت عناوينها بصبغ اسود على البلاطة المخصصة لها، وعلى الرغم من قتامة المشهد وسوداويته، الا ان ثمة محاولة اقدم عليها المخرج الرائد قاسم حول، بعد ان اطلع على هذه “الكارثة”، في اثناء عمله خبيرا في مؤسسة السينما والمسرح قبل بضع سنوات، اذا نقلها الى مكان مؤقت اكثر امانا داخل المؤسسة، واهتم كثيرا بصحة العاملين خوفا من مضاعفات، قد تحدث لهم جراء وجود مادة نترات الفضة التي تغطي سطح شريط
السلويد.
والخبر السعيد ان عملية انقاذ الافلام التي تمت على مراحل، اكتملت قبل ايام تحت إشراف رئاسة الوزراء وبالتعاون مع وزارة الثقافة، اذ خزنت بطريقة نظامية في بناية جديدة، ويتبنى مخرجنا حول حاليا مشروعا طموحا لتأسيس أرشيف بصري وطني وفق احدث طرق الخزن والارشفة، بالتعاون مع اليونسكو ومنظمات متخصصة في هذا المجال، ترى هل نستعيد ذاكرة بحجم
وطن؟