يسهرون الليل وينامون النهار

اسرة ومجتمع 2019/09/17
...

بغداد/ شذى الجنابي
 
تعدُّ ظاهرة السهر ليلاً مع استخدام الأجهزة الذكيَّة لدى الكثير من الشباب والمراهقين من الأمور الخطرة جداً على قدراتهم العقليَّة والصحيَّة الى جانب مضارها الاجتماعيَّة، إذ تعمل على تغيير نظام حياتهم، وتؤثر في الأنشطة المجتمعيَّة، ولم تقتصر هذه العادة على تلك الفئات وإنما شملت بعض النساء والأطفال، وأكد أكاديميون من ذوي الاختصاص أنَّ تلك الأجهزة رغم كونها تنمي بعض المهارات لدى مستخدميها كالتفكير والإدراك، ولكن الألعاب المحفوظة فيها قد تسهم بتلويث بعض المفاهيم والسلوكيات لديهم.
التزام الصمت
لا تترك منار لعيبي (22 عاماً – طالبة في كلية المأمون الأهلية)؛ هاتفها وتقول: “أستيقظ ليلاً بعد نومٍ متقطع ألتقط هاتفي المحمول باحثة عن صديقاتي في وسائل التواصل فأتحدث معهن أو أتبادل المنشورات حتى ساعة متأخرة من الليل، وتعودت يومياً أنْ أفتح الهاتف وأنا ما زلت على السرير قبل ذهابي الى الجامعة لأرد على صديقاتي وأبحث عما فاتني أثناء فترة 
النوم”.
وتكمل منار “لقد أصابني مرض تآكل الفقرات من كثرة استخدامي له ليلاً ونهاراً، فضلاً عن التزامي للصمت الدائم الذي أصبح يستفز أسرتي وأوجد فجوة بيننا، وابتعادي عن تحضير واجباتي الدراسية، كل ذلك لم يجعلني أقلع عن استخدامه، لكني أحاول تقنين فترات استعماله قدر المستطاع للابتعاد عن المشاكل بيني وبين
 أهلي”.
 
 
هدر صحي
في ذات السياق اعتبرت أميرة جمعة (23 عاماً – طالبة جامعية) “السهر لساعة متأخرة تسبب في انعدام سيطرة الشباب على أنفسهم وعدم الانتباه لما يفعلونه، وهذا ما يسبب إحراجاً لهم أمام الأستاذ أو الأصدقاء، وفي بعض الأحيان يغلبه النعاس بين لحظة وأخرى لا يتمالك نفسه”، لافتة الى أنَّ السهر ليلاً هدرٌ للحياة والصحة والذي ابتلي بهذا الأمر يفسد نفسه والمجتمع، ويصبح لا قيمة لحياته التي تحولت إلى نوم في النهار وجهل وضياع بالليل”، وترى بأنَّ أغلب الشباب من الطلبة مصابون بهذا الداء وبعلل صحيَّة سيئة نتيجة تناول وجبات دسمة خلال الليل، ما ينعكس على وضعهم البدني والعقلي”.
 
 
ثقافة الحوار
بينما أوضح هلال عيسى (28 عاما – موظف) “المسؤولية تقع بالدرجة الأولى على عاتق الآباء والمدرسة، فالشاب يقضي أغلب وقته في المدرسة أو الجامعة، وإذا ما لفت الطالب المهمل انتباه المدرس ويقضي أغلب وقته يعاني النعاس خلال الدرس وبالتالي يتعرض للعقاب، واتصالهم بولي الأمر وإبلاغه بتصرفات ولده وهذا ما يساعد على تدارك أي مشكلة قد يتعرض لها”.
تعتبر لبنى شامل الدوسري (تدريسية في كلية التمريض) “من يستطيع استخدام التقنية بشكل عام للفائدة شخص ذكي، مثلا أنا أعشق القراءة بشكل يومي سواء كانت أخباراً أو قصصاً أو قضايا اجتماعيَّة، وبمجرد دخولي للمواقع الالكترونية أجد ما أريد، ولكن مشكلتي السهر مع المواقع المتعددة حتى تأخذني بالانجرار ولا أشعر بالوقت إلا بعد تجاوزي منتصف الليل بساعات، ما يتسبب بوقوعي في مشاكل صحيَّة وأسريَّة، وانعدام ثقافة الحوار بيني وبين أسرتي لهذا السبب”.
 
 
حماية الأبناء
بينما قال التدريسي مازن عبد الستار في إعدادية دار الحكمة للبنين: “علينا أنْ نقف وقفة جادة لمعالجة هذه الظاهرة من أجل حماية أبنائنا الذين يشكلون أهم لبنات المجتمع، وأغلب الطلاب الذين بلغوا سن المراهقة يعتبرون أنفسهم أحراراً بتصرفاتهم حتى مع أولياء أمورهم، وهذا ما يؤجج المشاكل بينهم وبين أسرهم عند تصرفاتهم المرفوضة اجتماعياً”.
ومن جانب آخر اشار مازن الى وجود ألعاب تفاعلية على الإنترنت تتيح للأطفال والشباب التواصل مع أشخاص مجهولي الهوية في ظل غياب الرقابة الأسرية عليهم وهذا ما يساعدهم على اكتساب سلوكيات ومفاهيم خاطئة من خلالهم.
 
 
برامج توعية
من جهته يرى الدكتور نامق البديري- 0أستاذ علم النفس في الجامعة المستنصريَّة): “الناس قبل عدة سنوات ينامون بعد صلاة العشاء وينهضون مع بواكير الفجر بكامل حيويتهم ونشاطهم
، وينصرف بعدها كل واحد منهم الى مهماته اليوميَّة، ولكن بالوقت الحالي ومع تطور التكنولوجيا وظهور الأجهزة الحديثة أخذ مجتمعنا يعاني من الإهمال والتسيب، وتساهل الأهل مع أبنائهم وهذا خطأ كبير”، مؤكداً “من الواجب علينا إعادة تأهيل الشباب بالبرامج التوعويَّة، والابتعاد عن الأجهزة التي تسرق أوقاتنا، والالتزام بقواعد التعامل مع الزمن وإلا سنندم على ما فاتنا عند انحراف أولادنا وخروجهم عن الطريق الصحيح، والسير بخطوات صحيحة لتأمين مستقبلهم ومعالجة مشاكلهم التي يعانون
 منها”.
 
 
ضعف العلاقات الأسريَّة
اعتبرت الباحثة الاجتماعية ايمان حسن (محكمة الاحوال الشخصية بالأعظمية) هذا الأمر “خطيراً وأدى الى ظهور عادات منافية لقيم وتقاليد المجتمع من خلال متابعتهم للأفلام والمسلسلات، فضلاً عن تراجعهم في مراحلهم الدراسيَّة، أو تركهم لمقاعد الدراسة، والانشغال فيه لأوقات طويلة، ما تسبب بضعف العلاقات الأسريَّة والاجتماعيَّة 
بينهم”.
داعية الطلاب أنْ يتوجهوا الى النوم المبكر وأداء الواجبات المدرسية وعدم تضييع الوقت بالسهر، والوصول الى التميز والإبداع، وضرورة مراقبة الأهل لأبنائهم
، وترى أن ضغوط الحياة كثيرة تتم معالجتها من خلال تعلم وإتقان بعض الطرق التي من شأنها أنْ تساعدهم على التعامل اليومي مع هذا الفراغ، فضلاً عن وجود قواعد تساعد على علاج الضغوط النفسية منها الاسترخاء لفترات متقطعة يومياً، وتجنب الانفعالات والغضب، ومن الضروري العمل على تحسين الحوار الإيجابي وتكوين علاقات مثمرة مع الأصدقاء 
والمعارف”.