السلم المجتمعي موقف وطني

العراق 2019/09/17
...

حسين رشيد
 
لنتصور الحياة في البلاد غير التي هي عليها منذ عقود عدة، من دون انقلابات، ومؤامرات، ودكتاتورية، وقمع للحريات والفكر، من دون حروب مع الجيران، من دون حصار اقتصادي، من  دون ارهاب وعنف طائفي، من دون اقتتال مناطقي، من دون داعش والقاعدة والحركات المسلحة الاخرى المنفلتة، من دون فساد ونهب وتفشي الرشوة والبطالة، واللذين يشكلان نتاجاً طبيعياً لما ذكر انفا.
لنتصور الحياة بعيدة عن كل ذلك، ماذا يعني هذا؟ يعني ان ثمة سلما وامانا واستقرارا يعم البلاد، وحياة بسيطة سهلة متناغمة من احلام الصغار والكبار والشباب نساء ورجالا، ان ثمة حركة اجتماعية متنورة تجمع الجميع بمختلف الانتماءات تحت راية وطن واحد، ان ثمة وسائل انتاج ترفد السوق بكل ما يحتاجه، ومدارس تحترم التلاميذ وتصون كرامتهم بتعليم حديث، وجامعات متطورة تنشئ اجيالا تأخذ على عاتقها مسؤولية البناء والتطوير وفتح كل المغاليق بالعلم والبحث.
لنتصور الحياة بعيدة عن كل ذلك ؛ حتما ستكون هناك مستشفيات ومراكز طبية متطورة  تحفظ حياة المواطن وتصون كرامتهم، وحتما ستكون هناك حركة فنية متطورة :  سينما، مسرح موسيقى تشكيل، ستفتح المسارح ابوابها، ودور السينما ترفع الحجز عن شباك التذاكر، حفلات موسيقية كبيرة ، معزوفات عالمية تطرب الاسماع ، دار اوبر تتوسط العاصمة ببناء عمراني مميز. ستعلو قصائد الشعر عن الحب والطبيعة والجمال، سيبتكر السرديون قصصهم ورواياتهم عن عوالم خاصة بكل واحد منهم. وحتما ستكون هناك حركة رياضية وانجازات كبيرة في كل الالعاب، وستكون هناك احتفالات جماهيرية واسعة في ارجاء البلاد لأي فوز وطني.
لنتصور الحياة بعيدة عن كل ذلك؛  لن تكون هناك ازمة سكن والغرق في ايجارات الدور والشقق السكنية المرتفعة والتي تستهلك نسبة كبيرة من ميزانية الاسر، ستكون الشوارع واسعة ومنظمة وفق قوانين المرور الصارمة، سيكون اللون الاخضر هو الطاغي في الساحات العامة والحدائق الكبيرة، الاسواق ستكون متحضرة متطورة بنكهة الماضي والتراث خاصة في بلد مثل العراق، كل ذلك وغيره سينتج انسانا اخر ويبنى مجتمع اسسه الانسانية والتكافل والبناء.
لذلك السلم المجتمعي مطلب إنساني ووطني مهم، بدونه يعيش الإنسان في خوف ورعب وترقب لأي لحظة قاسية قد تؤدي بحياته او بحياة احد افراد عائلته او معارفه واصدقائه، كما يفقده اتزانه ما يجعله يتعامل مع من حوله على أساس أنهم أعداء يضمرون له الكره بالتالي يفقده صداقة الناس واحترامهم، وهو بذلك فشل في التكيف المجتمعي واخذ ينطوي على نفسه في عزلة قاسية تعيد انتاج انسان اخر غير متألف مع محيطه وربما عدواني، والسلام مطلب اقتصادي تنموي مهم لأن الخلافات تؤثر على قدرات الفرد الإنتاجية والصناعية والابتكارية والبحثية، بالتالي تؤدي الى تدني دخل الفرد ما يؤثر في المجتمع عامة ويتحول هذا التدني الى فقر ضعف في الإمكانيات الاقتصادية، وحتم السلام العادل لا يكون على حساب مصالح وحياة الآخرين، وإنما يحمي مصالح الافراد عامة اي لا يكون سلماً مجتمعياً مكوناً على حساب مكون اخر، او فئة على حساب اخرى، او شريحة اجتماعية على حساب اخرى، السلم المجتمعي يسعى في اتجاه التعاون والتنسيق مع الآخرين دونما تمايز وتنافر يعمل على بناء اقتصاد قوي يعتمد على تنوع المدخولات وحماية العملة الوطنية من الانهيار. وعموماً فإن السلم كمطلب اقتصادي للفرد والمجتمع يؤثر ويتأثر في السلم المجتمعي كمطلب انساني وطني لان مستوى الرفاهية الذي يتمتع به الفرد قد يعود بالدرجة الأولى للمستوى الاقتصادي والتنموي للدولة التي يحمل جنسيتها ويعيش بكنفها. لكل هذا وغيره يدعونا ان نرفع شعار السلم المجتمعي  مطلب
 وطني.