عبد الحميد الصائح
الحوار كلمة سحرية يستسهلُها الجميع ولا يجيدها الا القلّة في التاريخ، الحوار أنتج فلسفات ونظريات وعلوم واسّس قوانين وانشأ دولا وأطفا حرائق من جنون الاسئلة الى توحش الاقوام والجماعات، ومع تنوع وسائل الاتصال في الدنيا من اول نشيد للإنسان مع نفسه الى نزاعه مع الطبيعة بأسلحة الاسئلة الى تفكيك عُقَد هذا العالم الغامض بقي سر الحوار مفتاح العيش بأمان وتوازن على هذه الارض، اية جماعة تغفل سلاح الحوار تهزم مهما قويت يوما او تمكنت من غرمائها، ولذلك قامت دول وعلت حضارات ثم هبطت ثم محيت من الارض، وسر ذلك هو اللحظة التي فقد فيها الصواب وأعدم الحوار، اليوم في العراق على ضفة اخرى مقابل الضفة التي تكلست سياسيا وانشات لها خرائط من التوافق السياسي وتوازن الرعب وتقاسم المكاسب، ما ادى في غفلة تاريخية الى تسرب الضغائن الى النفوس واختراق لحمة الوطن والشعب من قبل مجانين العقائد المريضة واسراب الارهاب المتوحشة، على تلك الضفة يصحو الحوار من سبات قسري مرحلي، تنتبه المدن وأهلها الى طبيعتها وتثبت بصمتها على الارض، تنتبه الى ان الحياة غيرها في الاروقة السرية للسياسة وملاحظات الاجهزة الخطرة المحيطة بالوطن، وان المستقبل لن يتحرك الا بأجنحة الحوار وأنّ التعايش ليس قرار اللحظة بل هو حتمية تاريخية تفرضها قوى الذات الوطنية، والرغبة الجماعية الهائجة للعيش المشترك في بلد قوي آمن مستقل وفي ظل مؤسسات قوية فاعلة منزهة عن الدم والفساد ولي الاذرع والاعناق، وعليه بدأ المجتمع بإنتاج ذاته واعادة وطنه المهدد بفعل ذلك، اليوم يحصي اهل العراق كدمات التاريخ التي اهانت بلادهم بين حروب عبثية ارهقتها وابعدتها خارج المعادلات السياسية، وبين قسوة دولية تمظهرت بحصار جائر حطم البنى القيمية والمادية واوقف عجلة الحياة عقدا من الزمان وبين احتلال اخرج العراق من اغتصاب السلطة وادخله في اغتصاب الدولة
، فادرك الجميع ان الرحلة الى الوراء لابد ان تتوقف، وان العراقي الذي هو ابن انتمائه الضيق وخياره الفردي وشعائره الخاصة انما هو في النهاية ابن مجتمع واسع متنوع في دولة مدنية حرة طاهرة من الجريمة والتبعية والفساد، لا يظلمُ مواطن فيها مواطناً حتى وان تعرض احدهم الى قسوة المؤسسة الرسمية بشكل او
بآخر.
فالتصالح المجتمعي ويقظة الحوار الشعبي، يتفوقان على التوزان السياسي المتقلب، وحوار المصالح المتحركة.. وعي هذا الامر هو سبيل العراق الى النجاة وهو ما يحصل اليوم لاسيما في السنوات الخمس الاخيرة حيث الحياة تقص اين اخطأ وقصر المسؤول وأين بادر المواطن وكان ايجابيا ومنتجا للحياة، لا حاجة لقول شيء لا يجدي سوى حوار الناس الحوار الشعبي واعادة تأهيل الذات العراقية المحطمة، بعد ان تعرض شعب العراق برمته تحديات الارهاب وتحديات الانهيار الاقتصادي وتحديات غياب الدولة في مفاصل حيوية عديدة ما جعل من حوار الشعب قدوة لحوار السياسة وليس العكس الذي يفترض ان
يكون.