ابراهيم العبادي
منذ تشكيلها التوافقي نهاية تشرين الاول من عام 2018 ، اعتقد قسم لا بأس به من العراقيين ،ان حكومة السيد عادل عبد المهدي ،هي حكومة الفرصة الاخيرة لانقاذ الدولة العراقية من حالة التردي والانقسام وانعدام الفاعلية ، وبانتهاء عمر الحكومة عام 2022 يكون العراق امام اختيارين ،الاول مواصلة السير على ما أنجزته هذه الحكومة وتطويره بسرعة ودونما هدر للزمن والموارد ،أو ان يحصل تغيير مدروس او غير مدروس ، يطيح بمنظومة الحكم بكاملها ويستبدل جل الطبقة السياسية التي ظهرت بعد عام 2003 ويعيد هندسة الدولة والادارة والاقتصاد بطريقة ادارة الكوارث لمواجهة تحديات لاحصر لها.
السبب الذي دعا لهذا النمط من التفكير ،هو تراكم المشكلات البنيوية والزيادة الكبيرة في عدد السكان والاعتماد على اقتصاد ريعي احادي الموارد ،اتاح للقوى السياسية فرص التنافس غير الشريف على الثروة والسلطة بما حول البلاد الى مستهلك كبير عاطل عن الانتاج ،وتهميش التفكير بالتنمية الاقتصادية كأولوية وطنية من الدرجة الاولى .
يعلم ذوو العقول النابهة ،ان اغلب أزمات العراق منشؤها اقتصادي -خدمي ،وان الكثير من المشكلات السياسية سببها الصراع على توزيع الثروة والموارد ،وان سبب صعود اسهم قوى سياسية وهبوط اخرى ،وتزايد الانشقاقات وولادة احزاب بالعشرات ، وتطلع عشائر وطالبي الجاه للعمل السياسي ،هو لحجز مقعد واكتساب حيز في النظام الاقتصادي الريعي المحمي بالنفوذ السياسي والقاعدة العشائرية والخطاب الطائفي المؤدلج.
لقد اهدرت البنية الادارية - السياسية بما صاحبها من علاقات زبائنية وفساد كبير وشعبوية سياسية قرابة الاربعمئة مليار دولار من موارد النفط على مدى ثلاثة عشر عاما ،كان يمكن ان تؤسس لنهضة اقتصادية -خدمية ،تحقق رضا شعبياً كبيراً وتوسع قاعدة النظام السياسي وتزيد الثقة به وتقلص التهديدات والاعتراضات والشكاوى التي حاصرت النظام السياسي وافقدته الشرعية الشعبية وعمقت الانقسام العمودي والافقي بين الشرائح العراقية المختلفة .
يدرك بعض رجال السلطة والنفوذ في العراق ان الفجوة بين الشعب والطبقة السياسية آخذة بالاتساع الى هوة سحيقة ،وان درجة الثقة والامل بالنظام السياسي ومخرجاته باتت محدودة وضئيلة ، كما ان منهج رشوة بعض الشرائح الاجتماعية لم تعد كافية لتوسيع قاعدة النظام ،لهذه الاسباب مجتمعة لم يعد امام العراق خيارات كثيرة لتدارك وضعه الاقتصادي وحلحلة معضلاته الكثيرة ،الا باطلاق مشروع نهوض اقتصادي كبير ،يجدد البنى التحتية المتهالكة ،ويوسع قاعدة الانتاج الزراعي والصناعي بالبلاد ويوفر فرص عمل للملايين التي تنتظر من الحكومة القيام بهذه المهمة أو تحمل اعتصامات وتظاهرات صار العراقيون يتقنونها كثيرا .
لكن المشكلة الجوهرية ظلت كما هي وتتمثل في فقدان النموذج التنموي الذي ينبغي اعتماده ،وتوفير القيادات الادارية والمالية ،وتكييف بيئة الاستثمار والنظام المصرفي وازالة العوائق البيروقراطية ،وفوق ذاك اتخاذ القرارات الاقتصادية الحاسمة بدون الخضوع لضغوطات الجوار وجماعات المصالح الاقتصادية -السياسية في الداخل ، ثمة تعويل ان تتاح الفرصة لرئيس مجلس الوزراء في تحريك الركود الحالي واطلاق مشاريع ضخمة تستوعب العاطلين وتصحح بوصلة التفكير في البلاد من سلبي -عدمي ،شكوائي الى تفكير في التنافس الانتاجي والخدمي للحاق بالدول المجاورة على الاقل ، وبسبب البيئة الداخلية القلقة والبيئة الاقليمية الاشد خطرا وانعكاسا على الامن والاقتصاد في العراق ،يبقى امل العراق في اغراء الصينيين بالالتزام الجدي بجعل العراق جزءاً من مبادرة الحزام والطريق العملاقة ،فالاميركان الذين تخلوا عن العراق لاينبغي ان يكونوا كابحا سياسيا يمنع الدخول الصيني القوي الى العراق ،لا سيما ان القاطرة الصينية تجاوزت المخاوف والمحاذير واصبحت مقتنعة ان الشرق الاوسط وقلبه العراق هو الرافعة لبلوغ مرتبة الدولة الاعظم في العالم ،تنافسا مع اميركا المتربعة على هذا العرش والخائفة من فقدانه قريبا ،واذا لم تحرك شركات البناء الصينية اقتصاد العراق الراكد في ظل حكومة عبد المهدي الحالية ،فان العراق سيفقد اخر فرصة للاقلاع الاقتصادي ،وسيدخل في دوامة صراع داخلي يكون التخلف الاقتصادي والسياسي هما سبباه .