بغداد / أحمد محمد
منذ تحرير الأراضي العراقية من دنس عصابات “داعش” الإرهابية، لم تتغير معطيات تلك الهجمة من الناحية الاقتصادية التي فرضت من خلالها حكومة رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي جملة من الاجراءات التقشفية المتعلقة بفرض ضرائب على السلع والخدمات، فضلاً عن الاستقطاعات المالية التي طالت رواتب الموظفين من أجل تمويل المجهود الحربي لمجابهة التنظيم الإرهابي، ومع زوال تلك المبررات وانتعاش ميزانية الدولة في ظل ارتفاع أسعار النفط العالمية مازالت تلك الضرائب تستقطع من جيوب المواطن من دون إعادة الوضع الى ما هو عليه أو تعويض المتضررين .
وقال عضو اللجنة المالية النيابية الدكتور أحمد الصفار في تصريح خاص لـ “الصباح”: “شهد العراق عام 2015 أزمة مالية دفعت الحكومة السابقة الى فرض ضرائب من أجل النهوض بالواقع الأمني لمجابهة تنظيم داعش آنذاك، ولكن مع استقرار الوضع الأمني وارتفاع أسعار النفط كان لا بد من أن يكون هناك تعديل لقانون الضرائب من قبل مجلس النواب”.
ولفت الصفار، إلى أن “مشروع تعديل القانون المذكور يجري تقديمه من قبل الحكومة ومن الهيئة العامة للضرائب؛ لذا نحن باتجاه إعادة هيكلة النظام الضريبي ومحاولة إلغاء ضرائب بضرائب جديدة تراعي مبدأ العدالة الضريبي، وهذا ما معمول به في كل دول العالم بفرض ضريبة على القيمة المضافة عند الشراء، ومع الأسف فإن هذا المبدأ غير مفعل في العراق، إذ تستقطع فقط من الموظفين ومن يمكن السيطرة عليهم”.
وأكد النائب، أن “مسؤولة هيئة الضرائب العامة بينت عند استضافتها في مجلس النواب عدم تعاون البعض بدفع الضرائب وقد يصل الأمر في بعض الأحيان الى تهديد المحصلين، وبالتالي تكون الإيرادات الضريبية قليلة جداً”.
وأضاف الصفار، ان “هذا القطاع يحتاج الى تعديل وإعادة النظر في الفقرات المتعلقة بفرض الضرائب وقت الأزمة ورعاية حالة الموظف والطبقات المتوسطة، وأن تكون متدرجة حسب دخل الفرد، وهناك فكرة سيتم العمل عليها من قبل مجلس النواب وهيئة الضرائب العامة وتقديمها كمشروع قانون في المستقبل تقوم على استرجاع الاستقطاعات أو تسخيرها للنهوض بالقطاع الخدمي”.
فكرة سديدة
من جانبها أشادت عضو لجنة الاقتصاد والاستثمار النيابية الدكتورة ندى شاكر جودت خلال حديث خاص لـ “الصباح” بفكرة الاستفادة من الضرائب التي فرضت في وقت سابق على المواطنين بسبب التقشف “للنهوض بالواقع الخدمي المتلكئ في العراق، خاصة مع زوال مبررات الاستقطاع المتعلق بتمويل آلة الحرب وعدم إمكانية استرجاع الضرائب أو تعويض المواطن، فالنظام الضريبي لا يعوض”.
وتتساءل جودت: “لماذا لا تستقطب هذه الضرائب باتجاه الواقع الخدمي وأن تكون موجودة فعلياً على أرض الواقع؟!، فالاستقطاعات من دون تقديم الخدمات تجعل المواطنين في حالة تذمر وعدم ثقة بمصداقية جهات الدولة المعنية، لذا على الحكومة الاستفادة من هذه الضرائب لمخاطبة الآمال التي يطمح لها المجتمع”.
موازنة مستنسخة
وبين رئيس لجنة الخدمات والاعمار النيابية الدكتور وليد السهلاني في تصريح خاص لـ”الصباح”، أن “موازنة عام 2019 لم تكن إلا مستنسخة من الموازنات السابقة خاصة بما يتعلق بتحريك عجلة البنية الاقتصادية أو التنمية بمختلف أنواعها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية”.
واشار السهلاني، الى أنه “حتى البرنامج الحكومي لم يأت حقيقة بنفس السياق الذي رسم له على مستوى الوزارات التنفيذية والتي كانت معنية بتنفيذ البرنامج وفق سياسات واقعية بعيدة عن الشعارات، لذا ومن خلال الاطلاع على طبيعة الخدمات المتراجعة بمختلف القطاعات نحن بحاجة الى جهد نوعي استثنائي لتنفيذ البرنامج وفق ستراتيجيات واضحة وواقعية يمكن أن تلامس بمقدار معين تطلعات الشعب العراقي وتنفيذها على أرض الواقع في الموازنة المقبلة”.
واضاف السهلاني ان “الضرائب التي فرضت في موازنة 2015 كانت بسبب الظروف الاقتصادية الحرجة، بالإضافة الى ما تعرض له العراق من قبل عصابات داعش الارهابية والذي كان يحتاج الى تركيز الجهد نحو الجانب الأمني، ولكن مع هذا الانتعاش الاقتصادي وارتفاع أسعار النفط يمكن العمل على تحقيق التنمية الاقتصادية وإيجاد خدمات على أرض الواقع خاصة بما يتعلق بالمحافظات المتضررة التي تعاني من تراجع كبير في مختلف القطاعات، لذا يجب أن تصرف الضرائب وفق ستراتيجية هادفة يمكن أن تنتشل تلك المحافظات من واقعها الخدمي المزري”.
تقشف وسد عجز
وفي هذا السياق أشار الخبير الاقتصادي صالح الهماشي في تصريح خاص لـ “الصباح”، الى أن “الضرائب التي فرضت عام 2015 أبان احتلال عصابات داعش الارهابية لمدننا وانخفاض أسعار النفط الى 20 دولارا، دفع الحكومة العراقية الى اتخاذ إجراءات تتعلق بسد العجز الحاصل نتيجة التقشف وتراجع العجلة الاقتصادية التي رافقها الوضع الأمني المتذبذب في المنطقة وكذلك
الاقتراض من الخارج وزيادة الضرائب على شركات الاتصال والعقار وجميع السلع، كما تم فرض رسوم على المستشفيات والمدارس وخدمات كانت تقدم مجاناً من قبل الدولة، والتي وفرت موارد مالية كبيرة لها استخدمت في ذلك الوقت لتحريك العجلة العسكرية وتمويل آلة الحرب باتجاه محاربة داعش”.
ويرى الهماشي، أنه “يجب على الدولة إعادة النظر مرة أخرى بالضرائب التي فرضتها وكيفية الاستفادة منها خاصة وإن الموازنة تشهد فائضاً بسبب ارتفاع أسعار النفط”، مضيفا، ان “الضرائب مهمة في تحريك عجلة الاقتصاد ولكن عليها أن توجه بشكل صحيح، ومع الأسف الى الآن لم توجه الدولة الاستقطاعات بالشكل الصحيح، فمازالت هذه الضرائب التي ترهق كاهل المواطن تجد طريقها الى جيوب الفاسدين في الدولة”.
واقترح الخبير الاقتصادي على الحكومة، “إعادة الضرائب للمواطنين إذا لم تستطع استثمارها في تنمية القطاعات الخدمية والصناعية والزراعية والمعلوماتية، وعلى الحكومة أن تعي إن هذه الضرائب المستقطعة تشكل عبئاً على كاهل المواطن بسبب تفاقم البطالة وتدني مستوى أجور العاملين في العراق وبشكل كبير بسبب الظروف المعيشية؛ خاصة إن بغداد احتلت المرتبة الخامسة عشرة في ترتيب المدن الأغلى معيشياً في الشروق الأوسط، وهذا لا يتناسب مع حجم الدخل الذي يحصل عليه المواطن، لذا على الدولة أن تقلل من التكاليف على المواطن من خلال خفض الضرائب لتوفير العيش الرغيد له”.