أثبتتِ الدراسات الحديثة في ميدان علم الاجتماع, أنه لا يوجد إنسانٌ واحدٌ على وجه الكرة الأرضية- ذكراً وأنثى- من دون (عادة ما) تلازمه, الى الحد الذي يمكن الحديث معه باطمئنان عن ظاهرة ترافق السلوك البشري, وتُعدُّ القاسم المشترك بين الشعوب, بغض النظر عن كون بعض العادات ظاهرة ويمكن التقاطها بسهولة على غرار ترديد مفردة معينة أو مصطلح بذاته عشرات المرات في أثناء الحديث مثل (زين- في الحقيقة- خوش- الله شاهد- ها عيني- على كل- تمام) وغيرها الكثير, وبعضها الآخر يصعب رصدها بسهولة وتقضي مزيداً من الانتباه والمحاولة وغالباً ما تكون هذه العادات مرتبطة بحركة معينة ربما في الحاجب أو العين أو الاصبع أو الرأس .. الى ما لا يحصى من الأنواع والصور.
محمد الياسري, واحدٌ من أقدم أصدقائي وأعزهم وأقربهم الى روحي, وهو مدرسٌ لمادة اللغة العربيَّة, يبلغ السبعين من العمر, وقد تقاعد قبل سنوات قلائل, وتعود معرفتي أو علاقتي به الى أيام الدراسة الجامعيَّة التي بدأنا مرحلتها الأولى في العام الدراسي 1966- 1967, وقد تواصلت تلك العلاقة وتوطدت مع الزمن, واستمرت الى يومنا هذا, لم يكن الياسري يأتي بأي تصرف غريب, لكنَّ عادة غريبة سيطرت عليه وحكمته حكماً قوياً لا يقدر على التخلص منه, على الرغم من أنَّ غير واحد من الأصدقاء, وأنا من بينهم, نبهناه وطلبنا منه التحرر من تلك العادة, مع أنها ليست مؤذية!!
كان صديقي إذا ما تحدث عن قضية أو جرى أمامه حوارٌ في موضوع حساس يقول [وهذه المسألة تذكرني بحكاية كذا], ثم يسردُ الحكاية بالتفصيل الممل, وسواء كانت حكايته لها علاقة بالموضوع أم لم تكن لها علاقة, فإنه في الحالتين يغادر المكان.. ولا أنكر بأنَّ الياسري الطيب كان يدهش الجميع بذلك الكم الهائل من الحكايات التي لا ندري هل هي من خزين ذاكرته الممتلئة, أم انها ابنة ساعتها ومن ابتكاره!!
قبل أشهر قريبة اجتمعنا نحن رجالات (الطرف) في بيت الحاج سلمان لمناسبة نجاح حفيده, وقد شهد اجتماعنا حواراً طويلاً لا يخلو من سخونة حول الانتهاكات العدوانية التي تعرض لها أكثر من مقر عسكري عراقي, وقلنا في ذلك كلاماً كثيراً, في المقدمة منه اعتراف الكيان الصهيوني بالإشارة والتلميح, انه من يقف وراء تلك الجريمة وانتهاكه لسيادة البلاد, في حين كانت الجهات الرسمية, في العراق تتحدث عن تشكيل لجنة للتعرف على ملابسات الحادث, والكشف عن الطرف الذي يقف وراء العدوان, وقد أبدى الياسري رأيه مع من أبدى رأيه من الحضور, حتى إذا انتهى قال: هذه المسألة تذكرني بحكاية امرأة قرويَّة كانت تجلس عند عتبة دارها وبيدها مغزل وشيء من الصوف, وأمامها مئات الرجال وهم في هرج ومرج وعياط.. وقد مرَّ رجلٌ غريبٌ فاستوقفه المشهد وسأل القرويَّة عما يجري, فقالت له وهي تغزل بيديها غير مبالية بما حولها: الناس تقول إنَّ أحد أبناء القرية الذي يحبني وأحبه: تقدّم لخطبتي فثارت ثائرة ابن عمي, وأقام الدنيا ولم يقعدها وكما ترى أمامك.. ثم غادر المكان وتركنا نضرب أخماساً بأسداس, ونحن نبحث عن رباط الحكاية!!