جدل سياسي يثيره قانون شراكة القطاعين العام والخاص

العراق 2019/09/28
...

بغداد / أحمد محمد وشيماء رشيد
 
ينتظر الكثيرون تمرير مشروع قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص عبر البوابة التشريعية على أمل خلق مساحة تمنح الحكومة إيجاد حلول للكثير من المشكلات الخدمية عن طريق فسح المجال أمام القطاع الخاص للدخول في شراكة مع القطاع العام، وذلك لتحقيق التنمية الاقتصادية للبلد في ظل وجود عجز مستدام في ميزانيات الدولة وعدم ثبات أسعار النفط العالمية التي يعتمد عليها العراق كمصدر أساسي في تمويل موازنته العامة التي بدورها لا تستطيع حل جميع مشكلات العراق الخدمية في آن واحد من دون الذهاب نحو بدائل أخرى قد تتركز في هذه الشراكة.
 
رغم إنجاز مجلس النواب القراءة الأولى للقانون المذكور منتصف أيلول الجاري؛ إلا أن هناك جدلاً سياسياً أثير بشأنه بصورة كلية أو بشأن الفقرات الواردة في مواده الـ (24)، فكانت المواقف بين الترحيب الكبير أو الرفض المطلق أو ما بينهما بتبيان سلبيات القانون وإيجابياته.
ويقول عضو لجنة الصحة النيابية النائب حسن خلاطي خلال تصريح خاص لـ "الصباح": "نعتبر قانون الشراكة بين القطاع الخاص والعام مهماً جداً، وقد قدمنا سابقاً فكرة للسيد رئيس الوزراء بخصوص أن تتبع الحكومة مساراً لتشجيع الاستثمار عن طريق دخول الدولة كشريك ضامن للمستثمر".
ويضيف خلاطي، "نعتقد أن قانون الشراكة من شأنه أن يسهم في إرسال رسائل ايجابية الى المستثمرين الكبار بأن القطاع الحكومي سيكون شريكاً معهم، ويعطي نوعاً من الطمأنة من خلال الشراكة الضامنة للمستثمر، وبالتالي من شأنه أن يسهم في تطوير الحركة الاقتصادية للبلد".
 
رؤية اقتصادية
الخبير الاقتصادي صالح الهماشي يقول في تصريح خاص لـ "الصباح": إنه "منذ 2003 الى هذا اليوم؛ حاولت الحكومات العراقية الوصول الى تحديد هوية الاقتصاد العراقي -رغم أنها ادعت بأنه اقتصاد حر أو اقتصاد سوق- ولكن حتى هذه
 اللحظة فإن رأس المال والاقتصاد بيد الدولة، ولم تستطع الحكومات العراقية تحرير الاقتصاد من قبضتها فما زالت الاراضي والمنشآت ورؤوس الاموال بيد الدولة حتى
 هذه اللحظة".
ويبين أن "هناك 6 مصارف حكومية تمتلك نحو 90 بالمئة من رأس المال العامل رغم وجود قرابة 60 مصرفاً ما بين أهلي وأجنبي لا تمتلك سوى 10 بالمئة من رأس المال"، مضيفاً أن "النظام المصرفي ما زال غير متطور، وما زالت القروض كبيرة جدا والضمانات غير واقعية، ومازال النظام الضريبي والجمركي معقدا يقبل الروتين والفساد، كل هذه العوامل أدت الى عدم الوصول الى شراكة حقيقية بين القطاعين العام والخاص".
ويضيف، "لم تستطع الحكومات العراقية -بما فيها الحكومة الحالية-  تشريع قانون حقيقي لحماية رؤوس الاموال وفتح الاستثمار بشكل صحيح وتقليل العقبات والروتين، حيث بقيت الأنظمة المعمول بها في العراق موروثة منذ الجمهوريات السابقة قبل 2003، وهي بطابعها ذات طابع اشتراكي كون الجمهوريات السابقة كانت اشتراكية، وللوصول الى مستوى السوق الحرة أو مستوى اقتصاد السوق يجب على الحكومة العراقية أولا تشريع بعض القوانين التي تخص العمل والضمان الاجتماعي والتأمين وحرية رؤوس الاموال وتنقل رؤوس الأموال وتطوير الأنظمة المصرفية والمالية والمحاسبية العراقية وتحسين البنى التحتية لجلب المستثمرين".
بينما قال عضو لجنة الخدمات النيابية النائب مضر خزعل خلال تصريح خاص لـ "الصباح": "هذا الموضوع مهم جداً وتم طرحه في موازنة 2019 ورفض من خلال أعضاء مجلس النواب لأن فيه مشكلات وشبهات فساد كبير، وفيه يمكن الاستحواذ على اغلب الشركات الحكومية المهمة ومنها النفطية، لذلك فإن تشريع القانون يحتاج الى تأن وتأخير في هذا الموضوع ليدرس دراسة واقعية حتى يصب في مصلحة المواطن لا في مصلحة شخوص معينين".
وعند سؤالنا عن إمكانية وجود اعتراض على القانون، أجاب خزعل قائلاً: "من حيث المبدأ، نعم لدينا اعتراض لحين دراسة الموضوع بشكل تام ومعرفة ماهي حيثياته وفائدته للمواطن ولشخصيات سياسية متنفذة في البلد".
 
قوانين موازية
من جانبه، أشار عضو لجنة الاقتصاد والاستثمار النيابية النائب رياض التميمي إلى أن "قانون دمج القطاع العام والخاص سوف ينسف قانون الاستثمار الذي يتيح عقود المشاركة وعقود الاستثمار في المصانع والمعامل"، لافتا الى أن "القانون يتضارب مع القوانين السابقة وستطرأ عليه تعديلات لخدمة القطاع الخاص".
وأوضح التميمي، في حديث لـ "الصباح"، أن "هذا القانون لا يزال في طور الدراسة من لجنة الاقتصاد لمعرفة ايجابياته وسلبياته، وسيتم الاجتماع مع ممثلي القطاع الخاص لمعرفة وجهات نظرهم بشأنه ودمجها مع وجهة النظر الحكومية"، مبينا ان "اللجنة جادة في تشريعه خلال المدة المقبلة إذا اقتنعت بجدواه وأهميته للصالح العام".
وأضاف التميمي، أن "القطاع الخاص يرى أن مشروع القانون غير مناسب لوجود قانون المشاركة مع الحكومة، فضلاً عن وجود قانون الاستثمار الذي يتيح العمل والمشاركة"، مبينا ان "القانون لا يلغي القوانين الاقتصادية الاخرى وانما سيكون مرادفا لها وهذا سيسبب خلافات بشأنه"، لافتاً إلى أن "مشروع القانون تم تحويله الى لجنة مستشارين لدراسته"، متوقعاً أن "تتمكن اللجنة خلال الاسبوع المقبل من تحديد موقفها منه".
 
فوضى إدارية
ويكمل الخبير الاقتصادي الهماشي كلامه قائلاً: "لا أعتقد أن هناك إمكانية للوصول الى هذه الشراكة وسط هذه الفوضى الادارية والاقتصادية التي يعيش فيها العراق، ولا يمكن ذلك إذا لم تشرع بعض القوانين منها قانون العمل والضمان الاجتماعي وقانون المصرفي والمحاسبي والمالي وجملة من القوانين التي تحتاج الى تعديلات تتلاءم مع وضع العراق الجديد والتعامل الاقتصادي العالمي أيضا، وكذلك حماية رؤوس الاموال وتهيئة الارض الخصبة من خلال محاربة الجماعات المسلحة والفساد والقضاء عليه الذي أصبح جرثومة متفشية في مؤسسات الدولة وإحدى العقبات التي تواجه الاستثمار وتطوير الاقتصاد داخل العراق".
وأضاف، أن "مؤسسات الدولة ما زالت تعمل بشكل غير متواز حتى تستطيع أن تصل الى نقطة محددة، حيث ما زالت تعمل بشكل متقاطع يجعل الحكومة العراقية في تقاطع مستمر مع مؤسسات على المستوى المالي او الخدمي او العسكري والأمني، وهناك شيء آخر مهم هو (عسكرة المدن) وهو واحد من العوامل التي تؤدي الى عدم وجود قطاع خاص متطور خصوصا".
داعياً "الحكومة العراقية إلى أن تكون أكثر دقة في تحديد أهم القوانين التي من شأنها أن تحرر الاقتصاد وتجعله اقتصاداً حراً يستطيع أن يقدم شيئا ملموساً وخدمات كبيرة للدولة العراقية، ويجب كذلك أن يكون قانون العمل واضحاً، وأن تستطيع المحاكم المختصة بقانون العمل حماية رؤوس أموال أرباب العمل وكذلك العاملون في حالة حدوث خطأ اثناء العمل".
 
دمج القطاعين
بدوره، أوضح رئيس "مجلس الاعمال الوطني" داود عبد زاير، أن "مشروع قانون دمج القطاع الخاص والعام لا يمكن تطبيقه على ارض الواقع لوجود قوانين تنظم العلاقة بين القطاعين، ومن الناحية التشريعية فيه خلل وغير ناضج لأنه غير مفهوم".
وقال زاير، لـ "الصباح": إن "المشروع غير ناضج للتشريع بعد، والقطاع الخاص لم يتوصل إلى فهمه وبأي مساحة يمكن أن يعمل لأن المساحة التي يعمل بها متداخلة مع غيره من القوانين ومنها قانون 13 للاستثمار وقانون الشركات، بمعنى أن أي مساحة لعمل القانون في الوقت الحاضر غير موجودة"، موضحا أن "قانون 13 غطى اغلب المشاريع الحكومية ومن الممكن تغطية قانون البنى التحتية بطريقة الاستثمار أو بقانون رقم 13".
وأضاف، أن "هذا القانون فريد من نوعه على مستوى العالم، حيث أن قانون الشراكة هو مفهوم تعاقدي مع العالم كله وليس قانوناً تنفيذياً وضعياً"، منوها  بان "التعليمات الحكومية التي تنظر بمشاريع تخصص اموالها بقانون الموازنة العامة"، مشيرا الى ان "هذا القانون يعمل على ايجاد مشاركة بين القطاع العام والخاص اي بين المشاريع الانتاجية والخدمية والبنى التحتية وهي مغطاة من قانون الاستثمار".
وبين زاير "إذا كان القانون يقصد نوع التعاقد، فلابد من الذهاب الى قانون تعاقدي يخص المشاريع غير الممولة من الموازنة الاستثمارية، لأن المشاريع الموجودة ممولة منها"، مؤكداً ان "القوانين الاقتصادية الموجودة قادرة على تغطية العمل والمفترض ان يكون هناك مفهوم تعاقدي وليس قانون شراكة الذي يعني تنظيم العقود لأن قانون 13 خال من العقود بقانون مسند أو تعليمات".
 
موروثات 2003
وبالعودة إلى الخبير الاقتصادي صالح الهماشي، يختتم حديثه لـ "الصباح" بالقول: "لا نمتلك اقتصاداً بحد ذاته ولكن نمتلك مالية  تحدد العمل داخل العراق، فالبلد لا يمتلك سوقاً حقيقية لعملية التصنيع والبيع والتسويق، لذلك نشاهد دائما الاستيرادات تخلو من المواد الاولية، فقط المصنعة، وهذا دليل على ان الاقتصاد العراقي ما زال اقتصادا بيد الدولة"، لافتا الى أن "الشراكة التي يزعم وجودها بين القطاع العام والخاص ورثت من خلالها الحكومات بعد 2003 قطاعاً خاصاً تابعاً للقطاع الحكومي، فما زال أصحاب رؤوس الاموال الذين كانوا يعملون في القطاع الخاص  عبارة عن تابعين للقطاع العام، ولم يصلوا الى مستوى تطوير قدراتهم وامكانياتهم وبناء مصانع ومنشآت
 كبيرة".
ويضيف، "مازالت الحكومة العراقية تنظر الى القطاع الخاص بأنه منشآت وشركات كبيرة وعملاقة فقط كشركات النفط او استخراج النفط او شركات التعدين، والاستثمار ليس بهذا المستوى فقط وانما الاستثمار ايضا يكون على المشاريع الصغيرة والمتوسطة والمتناهية في الصغر، ويجب ان يكون الاستثمار على مستوى الورش كذلك والمدن الصناعية وعلى مستوى الاسواق والمحال الصغيرة وحتى التكسي مثلا يجب ان يوضع قانون لحماية المستثمرين ورؤوس اموالهم رغم ان هذه الاموال صغيرة".