علي حمود الحسن
غادرنا الى دار حقه، صباح الاحد الماضي، الفنان الكبير سامي عبد الحميد عن عمر ناهز الـ 90 عاما، بعد مسيرة حافلة في المسرح والسينما والتلفزيون والإذاعة، فضلا عن الدرس الأكاديمي، وبذا خسرت الثقافة العراقية رمزا من رموزها التنويرية، وعلى الرغم من ان الموت حق، والفقيد الراحل عاش حياته “ مثلما يريد”، الا ان حزنا غمرني وتساؤلا أوجعني؛ ترى من يعوض هؤلاء ومن يحفظ تراكم خبرتهم ويواصل مسيرتهم في بلد تكاد ان تكون هويته في مهب الريح.
ولد الكاتب والمخرج والممثل وأستاذ المسرح القدير في السماوة عام 1928، حصل على بكالوريوس الحقوق، لكنه انحاز الى عشقه المسرحي ودرس في معهد الفنون الجميلة المسائي، ونال بعدها الدبلوم من الأكاديمية الملكية لفنون الدراما في لندن، ثم أكمل الماجستير في العلوم المسرحية من جامعة اورغون بالولايات المتحدة، وهو نقيب سابق للفنانين العراقيين وترأس اتحاد المسرحيين العرب، وشغل عضوية المركز العراقي للمسرح، وعمل استاذا ممارسا في كلية الفنون الجميلة، وظل عطاؤه متدفقا حتى قبيل وفاته بأيام، اذ لم يمنعه المرض من ارسال كلمة مصورة الى مهرجان سامي عبد الحميد في الفلوجة يوم انطلاقه في 22 أيلول.
أسس مع الراحل جعفر السعدي فرقة المسرح الشعبي، ثم انتقل الى فرقة مسرح الفن الحديث وشكل إضافة نوعية لهذه الفرقة العريقة برفقة رواد رفعوا مشاعل التنوير في مجتمع كان ينظر بدونيّة واحتقار لكل من يعمل بالفن، أخرج عبد الحميد وكتب ومثل عشرات المسرحيات والمسلسلات التلفزيونية والاذاعية، منها: “النخلة والجيران” (1969)، و”بغداد الازل بين الجد والهزل” (1964)، و”خيط البريسم” (1987)، و”نديمكم هذا المساء” (1984)، و “ملحمة جلجامش”، “هاملت عربيا” (1972)، و”القرد كثيف الشعر”.
سينمائيا شارك في الكثير من الأفلام ممثلا، أبرزها: “نبوخذ نصر” (1962)، و “المنعطف” (1957)، و “من المسؤول” (1956)، و” الاسوار” (1979)، و “المسألة الكبرى” (1983)، ومثل أدوارا لا تنسى في مسلسلات تلفزيونية، ظلت عالقة في ذاكرة الجمهور، أبرزها: “النسر وعيون المدينة” (1983)، و “أبو الطيب المتنبي” (2002)، و”الذئب وعيون المدينة” (1980)، و”فوبيا بغداد” (2008).
ألّف وترجم كتبا ومقالات ودراسات بحثيّة تخص المسرح، منها: “الملامح العربية في مسرح شكسبير”، و”السبيل لإيجاد مسرح عربي متميز”، و”العربية الفصحى والعرض المسرحي”، و”صدى الاتجاهات المعاصرة في المسرح العربي”: ومن كتبه: “فن الإلقاء”، “فن التمثيل”، و” فن الإخراج”، وترجم كتباً تخص المسرح أبرزها: “العناصر الأساسية لإخراج المسرحية” لألكسندر دين، و”تصميم الحركة” لأوكسنفورد، و”المكان الخالي” لبيتر بروك.
سأله مقدم برامج تلفزيوني مرة: ماذا رأيت بعد كل هذا العمر الحافل بالعطاء؟ فردّد حوارا من مسرحية من مسرحية “اغنية التم” لأنطوان تشيخوف” : انا لا أرى غير كوة الممثل الصغيرة وقارئ النوتات وصندوق الرسائل، وما عدا ذلك هو ظلام في ظلام، لقد ابتعلت هذه الكوة سبعين عاما من حياتي، واي حياة!”.