حسن العاني
تذهب الكثير من الدراسات الحديثة الى ان التغيير في حياة الانسان حاجة ترقى الى مستوى الضرورة، وبخلاف ذلك فان حالة السكون التي يبقى عليها تمثل مخاطر كبيرة غالباً ما تقود الى حالات الانتحار او الطلاق او الكآبة او تصاعد الروح العدائي...الخ، ولعل العلاقات الزوجية من اكثر الامثلة وضوحاً، وخاصة في الاوساط الشعبية الفقيرة، ومن هنا يُنبّهُ علماء النفس والاجتماع الى أهمية التغيير عبر السفر او زيارة الاقارب والاصدقاء او الذهاب الى الحدائق والسينما والمسرح والمتنزهات ومدن الالعاب وغيرها، وربما كانت الفائدة الاعظم كما تشير اغلب الدراسات والاستطلاعات الميدانية، تكمن في (المنزل) الذي هو سيد التغييرات التي تشمل كل شيء تقريباً: أماكن الجلوس ونوعية الطعام وديكور غرفة النوم واساليب المعاشرة الزوجية.. وقبل ذلك، المظهر بتفاصيله الكثيرة من الملابس الى العطور والماكياج!
قد تبدو بعض الفعاليات وكأنها ابعد ما تكون عن التغيير وهذا الكلام يفتقر الى الدقة، فهناك من يزعم ان (السياسة) لا تحتمل التغيير المستمر لانها تقوم على أسس راسخة ومبادئ ثابتة.. وهذا وَهْمٌ بعد ان ثبت بالوجه الشرعي، ان السياسي ومن يتعاطى السياسة هو الاحوج الى تغيير مواقفه وخطابه والا سينفر هو من نفسه، مثلما ستنفر منه الجماهير، والشواهد المحلية على ذلك اكثر من ان تُحصى، في مقدمتها لأغراض الاستشهاد موقف بعض السادة البرلمانيين الذين مارسوا حقاً كفله لهم الدستور، فراحوا يتنقلون بين الاحزاب والائتلافات كما لو انهم يتنقلون من نادٍ رياضي الى ناد رياضي آخر (للأمانة التاريخية... هذا التنقل البرلماني لا علاقة له بالمصلحة، او لان عضو البرلمان يعرف من أين تؤكل الكتف، بقدر ما يُراد منه التغيير طالما الجميع من اليمين الى اليسار ومن الموالاة الى المعارضة، هم في سفينة العراق المبحرة نحو الازهار)!
أحنيت رأسي احتراماً لمسؤول سياسي ظهر على التلفزيون قبل ستة اشهر او سبعة، وهو شخصية معروفة بمواقفها النقدية الساخنة التي تتناول ملفات البطالة والفساد ورواتب المتقاعدين والكهرباء والخدمات... الخ بجرأة عالية ونقد شديد اللهجة... أقول أحنيتُ رأسي ومازال في حالة انحناء من باب الاحترام وليس الحزن او الخجل، لانه أدرك بأن الشعب وصل الى حالة الملل من كثرة التشكي والشكاوى المتشابهة، وان المسؤولين بدورهم ملّوا من أعذارهم الجاهزة والمستنسخة التي يرددونها في كل لقاء تلفازي، ولهذا قرر (تغيير) موقفه من أقصى المعارضة الى أقصى الموالاة، وتغيير خطابه بصورة فنطازية جميلة تجعل المشاهد يلتصق بالشاشة، حيث قال لمقدم البرنامج متسائلاً: لماذا نتحدث عن البطالة والخدمات ومتاعب الخريجين ولا نلتفت الى عدد (المولات) الجديدة في بغداد، والى الشباب من الجنسين وهم يرتادونها بوجوه باسمة وملابس راقية وتسريحات شعر مذهلة... ولماذا لا ننتبه الى كثرة الشباب الذين يقصدون المطار لأغراض الاصطياف والسياحة والسفر الى خارج العراق، و لماذا لا... الأمر المؤسف حقاً هو انقطاع التيار الكهربائي كالعادة فلم اعرف بقية الكلام الذي يحمل نكهة التغيير التي تفتح النفس وتشرح الصدر...