يروي الفنان الرائد محسن العزّاوي، في مذكراته "الرهان على الزمان"، حكاية حقيقية جمعته برئيس الوزراء العراقيّ الأسبق والوزير في العهد الملكي، محمد فاضل الجمّالي، حينما مرّ هو وزميله الفنان خالد إبراهيم من أمام منزل الجمالي، قاصدين معهد الفنون الجميلة، حيث كانا في المرحلة الدراسية الأولى بالمعهد.
والجمالي، لمن لا يعرفه، هو وزير وسياسي ومفكر ومؤلف، من مواليد الكاظمية في العام 1903، له العديد من الكتب والمقالات في المجالات السياسية والعلمية والتربوية. شغل منصب رئيس وزراء العراق خلال عامي 1953 - 1954.
رئيس يهوى الموسيقى
يقول العزّاوي إنّه قصد وزميله الفنان خالد إبراهيم معهد الفنون الجميلة ببغداد، وبالمصادفة لمحا رئيس الوزراء حينها (الجمالي) وهو يقف أمام حديقة المنزل، وبعد أن حدّق فيهما، وشاهد آلة العود بين يدي إبراهيم طلب منهما الاقتراب لُيضيّفهم في
منزله.
ويسرد العزاوي تفاصيل الحادثة بشغف كبير: "دخلنا منزل الجمالي مندهشين، وكنا نتصوّر أنّنا سنشاهد حشوداً من الناس مجتمعين لحفل أو مناسبة ما، لكنّنا تفاجأنا بوجود شخص واحد فقط، قدّم لنا الضيافة"، متابعاً: "سألنا الجمالي عن دراستنا وعملنا، وطلب من زميلي أن يعزف على آلته، لكنه اعتذر كونه مازال متدرّباً، في مرحلته الدراسيّة
الأولى".
ويشير العزاوي إلى أن "رئيس وزراء العراق الأسبق، الجمالي الذي توفي في تونس العام 1997، أدخلنا إلى غرفته الخاصة، وإذا بنا نشاهد ثمانية أعواد مُعلقة على جدران الغرفة"، لافتاً إلى أن "الجمالي بدأ يشرح لنا عن خصوصية كل عود، ذاكراً صناعته
ومصدره.
ويذكر العزاوي أن "الجمالي أكد أفضلية العود العراقي على جميع الأعواد العربية والأجنبية، تقنياً، فضلاً عن صوته المتفرّد والموادّ الخشبية المصنوع منها"، منوهاً إلى أنه "كان يمتلك عوداً عراقيّاً من صناعة الأسطة محمد فاضل، إلى جانب سبعة أعواد مصنوعة في مصر وتركيا ودول أخرى".
اهتمامات متنوعة
اللافت في حديث العزاوي، هو أن الجمالي كان قد عزف على آلة العود في أثناء الجلسة التي جمعته وهو زميله به، وكان ملماً بالمقامات والأنغام وطريقة العزف عليها، ما يؤكد اهتمام هذا الشخص بالفنون والآداب، فضلاً عن اهتماماته السياسية وكتاباته في المجالات المتنوعة، وانشغالاته بأمور السياسة، وإجادته لخمس لغات (الإنكليزية، الفرنسية، الإيطالية، الفارسية، التركية، إلى جانب لغته الأم، العربية).
مصادفة ثانية
المصادفة قادت العزاوي مرةً أخرى للقاء الجمالي، لكن هذه المرّة في تونس، بعد 20 عاماً من اللقاء الأول. يذكر العزاوي في مذكراته، الصادرة عن دار الشؤون الثقافية العامة في بغداد، بواقع 328 صفحة من القطع المتوسط، إنه قدّم مسرحية في تونس، حضرها الجمالي حيث كان قد عُيّن حينها في منصب استاذ فلسفة التربية في جامعة تونس، وفي العمل المسرحي أشار العزاوي إلى الحادثة التي جمعته بالجمالي في منزله، ما أثار الشجون فيه طالباً منه أن يضيّفه بعد نهاية العرض المسرحي ليستعيدوا الذكرى الجميلة.