يفترض علماء الآثار ان النساء فقط هن من عملن بصناعة الفخار في تشاكو كانيون (احدى الحدائق التاريخية الوطنية للولايات المتحدة) قبل عشرة قرون من الزمن. فقد أثار تساؤل لطالب، لديه معلومات عامة عن دراسة القانون، استكشافا جديدا لصناعة الفخار لأحد اهم المراكز الاميركية القديمة، وجاءت النتائج لتقلب افتراضات علماء الاثار عن عمل النساء. لقد كانت مجتمعات تشاكو كانيون الواقعة شمال غرب ولاية نيو مكسيكو مركزا للثقافة ولها نشاط ديني مهم من سنة 800 الى 1200 ميلادي. إذ أنتج اجداد شعب بويبلو القديم الذين عاشوا في المنطقة نوعا من الفخار يطلق عليه "الاواني المموجة"، التي تصنع بواسطة لف حبال سميكة من الطين فوق بعضها البعض لتشكيل اوانٍ كبيرة.
وكان الافتراض العام ان نساء منطقة تشاكو هنَّ المسؤولات عن صناعة الاواني المموجة منذ عشرة قرون مضت، ويعتمد ذلك بشكل اساس على الملاحظة الاكثر حداثة.
الاستاذ والباحث من جامعة "نورث فلوريدا" جون كانتنر المؤلف الرئيس لدراسة حديثة عن الاواني المموجة نشرتها مؤخرا صحيفة وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم الأميركية يقول "ان نساء بويبلو اليوم صنعن فخارا تاريخيا وعلمن بناتهن هذه الصناعة، لذلك فهذا الاعتقاد ربما يكون استنتاجا منطقيا يمكننا من العودة به عند الوقت المطلوب، لكن لا يزال ذلك لا يتناسب مع الكثير من علماء الاثار لاننا لا نستطيع الكشف مباشرة عمن كان يصنع الفخار".
مقارنة بصمات الأصابع
وبما ان كل طبقة من هذه الاواني المموجة يتم تشكيلها من خلال قرصها بين الابهام ورأس الاصبع، فقد حفظت بصمات اصابع الخزافين الذين صنعوها، فهل يمكن ان تكشف دراسة تلك البصمات عن جنس اولئك الخزافين؟.
مع التساؤل الذي طرحه تلميذ كانتنر والمشارك بتأليف الدراسة ديفيد ميكيني الذي كان يعمل سابقا ضمن مركز شرطة، باشر كانتنر بدراسات طبية عن الاختلافات الموجودة عند حافات بصمات الاصابع بين الرجال والنساء. وباستخدام نتائج الدراسة التي اظهرت ان حدود بصمة الاصبع لدى الرجال اكثر اتساعا من النساء بنسبة تسعة بالمئة، فحص كانتنر مجموعة مكونة من 985 قطعة مكسورة لاوان مموجة من موقع تشاكو كانيون المعروف باسم بلو. جي(Blue.J) . كما كشفت الدراسة عن ان 47 بالمئة من القطع المكسورة تحمل بصمات تتسع حافاتها بمعدل خمسة بالمئة من السنتمتر وهذا يتطابق مع بصمة اصابع الرجال، بينما 40 بالمئة حملت بصمات بمعدل اتساع اربعة بالمئة سنتمتر لحافاتها وهذا يشابه بصمات النساء او اليافعين. اما النسبة الباقية فكانت معدلاتها متداخلة وتم تصنيفها بعنوان غير معروفة الجنس.وبتقسيم القطع المكسورة الى ابعد من ذلك من خلال تجميعها زمنيا، وجدَ كانتنر ايضا ان 66 بالمئة من القطع الاكثر قدما تحمل بصمات الاصابع تعود للرجال، بينما انقسمت القطع الاكثر
حداثة بالتساوي تقريبا بين بصمات اصابع الرجال والنساء. وهذا يظهر ان ليس الرجال فقط المعنيين بهذه الصناعة، وإنما المشاركة بين
الرجال والنساء في صناعة الفخار تغيرت بمرور الزمن.
نتائج مثيرة
هذه الدراسة هي الاولى التي تقدم دليلا مباشرا على الانقسامات بين الجنسين لدى انتاج الخزف في منطقة تشاكو كانيون.
يقول كانتنر "هذا يعارض بالتاكيد فكرة ان احد الجنسين فقط كان معنيا بصناعة الفخار او الخزف عن الاخر، وربما نبدأ بالتساؤل ما اذا كان ذلك ينطبق على النشاطات الاخرى التي كانت تُمارس في هذا المجتمع آنذاك، واعتراض فكرة ان الجنس هو احد الامور الاولية التي كانت تقسم العمل".
وتوضح خبيرة الخزف وعالمة الاثار في جامعة اريزونا باربرا ميلز ان نتائج هذه الدراسة مهمة لانها تؤيد ما تمت ملاحظته عن الاقتصادات ذات التخصص المتزايد بسبب النمو، ومشاركة الرجال بنشاطات لم يشاركوا فيها مسبقا.
تقول باربرا "في الدراسات الثقافية المشتركة، عندما يصبح الرجال معنيين بصناعة الخزف فهذا يعني انهم امضوا اكثر وقتهم بالعمل فيه مقابل النشاطات الاخرى، ولكن يمكن ان يحدث هذا عندما توجد هناك فائدة تعود لهم، وكما هو موثق جيدا فان الرجال اضطلعوا بهذه الصناعة فجميع افراد الاسرة يشارك فيها، وقدمت هذه الدراسة ادلة جيدة عن ازدياد التخصص.
ولهذه الاسباب لم يتم التوصل لمشاركة الرجال اكثر بإنتاج الخزف بالاعتماد على هذه الدراسة فقط، ويتكهن كانتنر ان ذلك يمكن ان يكون مرتبطا بالنمو الهائل لمركز تشاكو كانيون الثقافي والطلب المتزايد على توفير غذاء مجتمعاتها.
ضرورة البحث أكثر
يقول كانتنر "يُظهر السجل الاثاري دخول اعداد هائلة من المواد الى تشاكو، سواء كان ما يتوقع دخوله من القرى النائية او السفرات الطويلة، وربما يكون موقعا حيث اراد الناس ان يشاركوا اكثر في صناعة الفخار التي مضت نحو تشاكو".
عالمة الانثروبولوجي عن تشاكو كانيون في جامعة نبراكسا ـ لنكولن كاري هاتمان توضح انها قد انبهرت بالنتائج، لكن اجراء دراسات مقارنة اكثر لصناعة الاواني الفخارية المموجة من المواقع التشاكونية الاخرى امر ضروري لتدعم النتائج التي توصل اليها كانتنر.
تقول كاري "حالما نملك فحصا مماثلا للاواني الفخارية الاخرى التي عُثر عليها في كانيون، سيكون لنا وجهات نظر اكثر عن التقسيمات الدقيقة للعمل، وربما يكون هذا لمحة عن التحول الذي كان يحدث آنذاك، لكن طرق فحص التنوع الاجتماعي ستساعدنا على النظر الى ما كان يعملهُ الرجال والنساء، وزرع انطباع اكثر ثراءً ومساواة بين الجنسين في الماضي".
* عن موقع ناشينال جيوغرافيك