حسن العاني
لأغراض المزحة ومن باب (الميانة) بيني وبينه، وصفني الصديق الفنان المبدع خضير الحميري بأنني (أكبر مزوّر في تاريخ الصحافة العراقية) وكنا ساعتها نتحدث عن الاسماء المستعارة التي كتبتُ بها على مدى ربع قرن تقريباً، وكان الرجل على حق، لان من ينوي دراسة هذا الجانب او ذاك من تاريخ الصحافة العراقية، سيقع في اشكالينِ ويتورط ورطة عظيمة لا ذنب له فيها، خاصة اذا تعرض للمرحلة الواقعة بين اعوام (1976 - 2003)، الاشكال الاول يتمثل في الاسماء المصطنعة او الوهمية التي كتبت بها مثل (عبد الله العراقي/ حسن خالد العلي/ أيمن حبيب العمر/ بكر علي عبد الله/ بسام مهدي/ عبدالله المنسي.. الخ) والإشكال الثاني هو الكتابة بأسماء زملائي الصحفيين مثل (اطوار بهجة، راجحة عبود/ جواد الحطاب/ عذراء السامرائي/ حميد عبد الله/ محمد حمود .. الخ) وهذه المجموعة الثانية من الأسماء الصريحة لزملائي، هي التي كنتُ اختبئ خلفها بعد قرار صدام حسين منعي من الكتابة مدى العمر عام 1999، وأنا مدينٌ لهم بالفضل الكبير، وأنحني إجلالاً لشجاعتهم، فقد كان اكتشاف السلطة يومها لهذا الالتفاف على القرار يعني كارثة لي ولهم على حدٍ سواء لا تعرف عواقبها الوخيمة.
أمرٌ طبيعيٌّ أنْ تحصل عبر هذا الكم من الأسماء الذي قارب الخمسين، مفارقة هنا أو حكاية طريفة هناك، هذا غير ما يمكن تصوره من مواقف محرجة.. تحضرني الآن حكاية غريبة لا تخلو من كوميديا سوداء، وكأنها تطبيقٌ عمليٌ للقول المأثور: شرُّ البلية ما يضحك، ففي أوائل العقد التسعيني من القرن الماضي، وكنتُ أعمل يومها في مجلة "ألف باء"، وتوليتُ رئاسة أكثر من قسم من أقسامها، بما في ذلك القسم الرياضي بغض النظر عن كوني لا أميز بين ضربة المرمى وبين ضربة الجزاء، وقد شهدت تلك المرحلة الزمنية من القرن العشرين، إعلان الحصار على العراق بعد احتلاله دولة الكويت (الشقيقة) عقاباً على سلوكها الشائن على حد زعم النظام العراقي.
فجأة وجدت المجلة نفسها في ضنك إعلامي لا تحسد عليه، وفي قطيعة تامة عن جزء من مصادرها وحاجتها الى المطبوعات والصحف والمجلات العربية والأجنبية التي لا تستغني عنها ثلاثة أقسام على وجه الخصوص هي (الترجمة والفنون والثقافة)، ولأننا لم نتعرف بعد على حضارة الانترنت ومشتقاته، فقد كانت مشكلة "الف باء" عويصة وان كانت لا تقارن بمشكلات ادهى وأمر، وبالذات تلك التي تتعلق بالصحة والدواء... استدعاني الصديق كامل الشرقي رئيس تحرير المجلة، وكلفني ان اتولى (إعداد) موضوعات لقسم فنون، وزوّدني بعدد من المجلات العربية القديمة.. أنجزتُ المهمة (على أتم وجه) واخترت اسم (المعد) وهو (أيمن حبيب العمر) وتولت المجلة عملية النشر من دون ان يفطن الى ذلك أحد، وظهر أيمن وكأنه هو الذي حاور فاتن حمامة ويسرا ومعالي زايد و .. و.. ويبدو ان الكتابة باسم مستعار استهوتني، فأنا اكره ان تنشر لي المجلة مادتين او أكثر في بعض الاحيان باسمي الصريح.. وهكذا نشرتُ عشرات المواد والتحقيقات الاجتماعية باسمي الجديد (أيمن) وحصل ذات مرة ان زارني صديق صحفي من جريدة (...) وبعد حديث طويل عن احوال الدنيا والعيشة وشكو ماكو قال لي ممتعضاً (بالمناسبة اكو كاتب مبتدئ عدكم بالمجلة، أسمه أيمن حبيب العمر، يحاول تقليد اسلوبك، هذا شنو ميسحتي، مياخذ على نفسه.. عل كلٍ .. كتابات حسن العاني العظيمه وين، وكتابات أيمن السخيفه وين)، فلم أصحح معلوماته، ولكنني تيقنتُ تماماً بأنَّ الكاتب الصحفي في عيون زوجته وأمه ومعجبيه لا يختلف عن نظرة أنثى الغوريلا لولدها، فهو غزال في طرفه حور!!