بغداد - هيفاء القره غولي
«رائحة القهوة» تمثيلية عراقية، عرضت في ليلة أشرق عند صباحها العراقيون، يتحدثون بشغف عن جمال مواء هند كامل، في سرير العفة البغدادية.. شابة مع زوجها قاسم الملاك، الذي أطلق عليها «بزونتي – قطتي باللهجة البغدادية» مترنماً وهو يعيل أمه وزوجته تحت سقف الستر والعافية، في بيت بسيط.. يعمل بائعاً متجولاً، يردد: «بيض اللكلك.. اللكلك عله وطار.. طار وعلك» والناس تشتري منه.. سواء عن حاجة أم من غير حاجة؛ كي يفيدوه.
دامت حياتهم بسعادة، حتى ادركته.. صدفة.. آفة الإدمان على الخمرة؛ مهملاً عمله وأسرته التي انفرط ضلعا مثلثها، نحو الموت فجأة.. الزوجة جراء المرض الذي لم يبال به؛ لانشغاله بشرب «العرق» والأم بحكم الشيخوخة التي لم تتحمل انهيار الابن وتسببه بوفاة زوجته البريئة.
«رائحة القهوة» تأليف الفنان الراحل يوسف العاني واخراج عماد عبد الهادي.. بطولة غزوة الخالدي وقاسم الملاك وهند كامل وماجدة السعدي.. إنتاج دائرة الاذاعة والتلفزيون في وزارة الثقافة والاعلام عام 1986 حازت جوائز محلية وعربية وعالمية عدة.
قالت المعلمة الجامعية نبال المحمداوي: «كنت صغيرة، عندما شاهدتها، وبكيت بحرقة على الزوجة، التي حاولت ان تنعطف باهتمام زوجها الحبيب، من الخمرة الى القهوة، لكنه خضع لآفة الإدمان، التي أنشبت أظفارها فيه ودمر أسرته» مؤكدة: «إنها درس اجتماعي وموعظة، مثلما هي عمل فني متكامل؛ بدليل الجوائز المهمة التي
حصدتها».
ونشر لؤي محمد على صفحته في «الفيسبوك»، ان: «هذه التمثيلية كانت تدرس في الكليات المختصة وتعتبر من تحف الدراما العالمية» شاطرته التعليق سيدة مصرية: «كنت اعيش مع والدي ضمن العمالة المصرية في العراق، خلال الثمانينيات، معززين مكرمين في بلدنا الثاني.. ترحابا، ونشارك العراقيين مشاعرهم؛ لإننا إندغمنا في جوهر مجتمع ودود يتقبل الغريب، كما لو كان ابنه.. وأكثر، لي مع تمثيلية “رائحة القهوة” ذكريات طفولة لن تمحى.. حتى هذه اللحظة ما زلت أشعر
بالعراق وطني».
استوحى الشاعر علاء سعيد حميد، قصيدته “ينفث الدخان» من وحي تمثيلية «رائحة القهوة» حيث جاء فيها: «ينفث الدخان.. بعد كل نفس عميق.. يستهلك نصف سيكاره.. يطرد همه المستحيل عن الرحيل.. لوهلةٍ..
ويعود يحكي لنفسه اسراره.. احتسى عشرة فناجين من القهوةٍ.. عشر سنين طعمها المرارة.. شمر عن ساعديه يغترف الوهن.. وينشب في جسده الهزيل اظفاره.. تذوق هذا الالم الذي ما برح عنك.. كفارة الذنب الذي ناغمتَ افكاره.. ايها التعيس اين تسير بك النوايا.. وكأس خمرتك تسقيك اقدارها.. وما اقداره الذاويات سوى حتف.. يسرق ريحانة بيتك وتفل انواره.. محاق عينيك ازاحهُ بدر رحيلها.. منذ عشر سنين خلت.. منذ اخر فنجان تفوح اعطاره.. تسقيك بعد كل سُكرٍ.. قهوة سمراء كأنها عزف قيثارة.. وذاك الصباح لم تكن تغلي.. دِلال القهوة والهيل.. قد بارا.. ذاك الصباح اسكتها الردى.. وسكتت قهوتها ترفد الانهارا.. عروق دمك الموحلة خمراً.. تصفقها دموع توبك عن كل ذنب.. فتحمل دِلال قهوتك وتدور.. تسقي الضائعين طعم المرارة.. عرفان فعلها اليك خلودها.. افرغ دلتك من قهوتها.. حين تكمل
باقي السيكارة».