جواد علي كسّار
أمّ سعيد الأحمسية عراقية من الكوفة، امرأة لها وجاهة وشأن، ذهبت الى مكة حتى إذا ما انتهت من أداء فريضة الحج، اتجهت صوب المدينة المنوّرة، وقامت بزيارة الى الامام جعفر الصادق الذي استقبلها في بيته، عندما استقر بها المقام في بيت الامام الصادق، دخلت عليها جارية كانت بصحبتها؛ بانَّ الدابة حاضرة، والدابة هي وسيلة النقل يومئذ، وبمنزلة السيّارة في عصرنا.
الدقيق المُلفت للنظر في هذه الواقعة أن الامام الصادق اتجه الى أم سعيد، يسألها: أيّ شيء هذه الدابة، أين تبغين تذهبين؟ اجابت أمّ سعيد: أزور قبور الشهداء. يردّ عليها الإمام: ما أعجبكم يا أهل العراق، تأتون الشهداء من سفر بعيد، وتتركون سيّد الشهداء لا تأتونه ؟! استفسرت أم سعيد: من سيّد الشهداء ؟ أجاب الامام: الحسين بن علي، وعندما احتجت بأنها امرأة، اذن لها الامام بزيارته عليه السلام.
في نص آخر للواقعة، ان الامام الصادق سأل أمّ سعيد حين استقرّ بها المجلس في بيته : يا أم سعيد، تزورين قبر الحسين ؟ فأجابت: نعم، فقال لها الامام مؤكداً: زوريه، فإن زيارة قبر الحسين واجبة على الرجال والنساء.
من المؤكد أننا لا نستطيع فصل الواقعة عن عصرها، اذ يبدو من حديث الامام مع أمّ سعيد، أن الزيارة الحسينية لم تكن قد تحوّلت بعد الى ممارسة اجتماعية واسعة، لاسباب كثيرة يعود بعضها الى أجواء الخوف، وكثافة القيود المعرقلة، والى مستوى الثقافة الدينية نفسها، وكان الامام الصادق في طليعة من تصدّى لتعميم ثقافة الزيارة الحسينية، وبالتأكيد لم يكن قصده نفي زيارة عمّ النبي حمزة بن عبدالمطلب ومن خرّ معه شهيداً في أحد، وقبلها في بدر وبعدها في الخندق وبقية المواقع، ممن دُفن في البقيع وغيره، انما كان يقصد عليه السلام، تحديد الأولويات في مقامات الزيارة، حيثُ يتصدر القائمة الامام سيّد الشهداء الحسين بن علي.
المتتبع لحياة ائمة أهل البيت واحاديثهم، يجد من أمر الزيارة الحسينية عجباً، لشدة تركيزهم عليها، والمبادرة الى حثهم إليها، حتى تجاوزت نصوص الزيارة المئات، وهي كثافة نصوصية لم نلمس لها مثيلاً إلا مع الحج .
يدخل أحدهم على الامام الصادق، فيسأله: أتزور قبر أبي عبدالله الحسين بن علي ؟ فيجيب الرجل أنه يزوره بين ثلاث سنوات مرّة، يقول الراوي فيردّ عليه الامام وهو مصفّر الوجه تأثراً من هذه القطيعة: أما والله الذي لا إله لا هو، لو زرته لكان أفضل لك مما أنت فيه .
في المقابل يُفرحه جواب المفضل بن عمر، حين سأله عن المسافة بينه وبين كربلاء، فيقول المفضل: يوم وبعض يوم، فيسأله الامام: افتزوره، فيردّ المفضل: نعم، فيقول له الامام: ألا أبشرك؛ ألا أفرحك ببعض ثوابه، ثمّ يحدثه عن ذلك.
ويدخل على الامام الصادق ابن أبي يعفور، ويقول له: دعاني الشوق إليك، أن تجشمت إليك على مشقة، فما كان من الامام إلا أن يباغته، بالجواب التالي: فهلا أتيت من كان أعظم حقاً عليك مني، وحين سأله الرجل من هو، ردّ عليه الامام، بقوله: ألا أتيت الحسين فدعوت الله عنده!