حسن العاني
شتاء وشباط مدثر بالبرد، ومع ذلك توافد علية القوم وكبار ساستهم ورجالات اقتصادهم حتى ضاقت بهم القاعة على سعتها، لان الرجل النابغة في علوم الاقتصاد الذي تطلق عليه اجهزة الاعلام صفة (الباحث العلامة)، سيلقي محاضرة بالغة الاهمية، مثل اية محاضرة من محاضراته، تحرص (النخبة) على التمتع بها، والافادة منها.. ارتقى سلمان الصالح- هذا هو اسمه – المنصة، وظلّ واقفاً قرابة عشر دقائق الى ان هدأت عاصفة التصفيق والزغاريد والهتافات.. جلس الرجل وهو يتصبب حياء وراح يتحدث بهدوء على عادته عن (الاقتصاد العربي)- عنوان محاضرته في ذلك المساء الشباطي- وبموضوعية عالية، ومن دون صراخ او تهريج خطابي او تفاؤل عاطفي، اشار بالتفصيل الى نقاط القوة التي تتمتع بها الاقتصاديات العربية، معززاً كلامه بالحقائق والارقام.. حتى اذا انتهى من (الحديث) عن مفاصل القوة الاقتصادية الذي قوبل من جديد بعاصفة من التصفيق، أخذته الحماسة واستبق الامر واخبر الجمهور انه يشرف على الانتهاء من اهم مشروع بحثي انجزه في حياته، لانه يتيح للعرب توظيف اقتصادهم لخدمة اهدافهم المشروعة وانقاذ شعوبهم من الفقر والجوع وهم اغنى شعوب العالم، وكذلك لخدمة الانسانية وعموم البشر على الكرة الارضية.. وقد جُنّ جنون الحاضرين هتافاً وتصفيقاً، حتى ان رئيس جمعية تسمين العجول العربية، انتظر زمناً طويلاً الى ان تهدأ العاصفة لكي يرتقي المنصة ويطبع قبلةً طويلة على جبين الصالح، وقرر من باب التكريم لهذه العقلية الوطنية القومية الفذّة منحه (وسام الثيران) من الدرجة الاولى.. فيما ارتقت رئيسة رابطة النساء المناضلات في الوطن العربي ضد العنف الزوجي، المنصة واعلنت – من دون حرج شرقي- امام الحضور بانه يسعدها ويشرفها في حالة موافقة سلمان الصالح، ان تعرض نفسها زوجةً لهذا المناضل الاقتصادي الكبير، وان الرابطة ستتحمل بالكامل تكاليف الزواج وشهر العسل والسكن، ولم يكن ممثل البرلمانات العربية اقل اندفاعاً من الاخرين، فقد طالب بدرج اسم الصالح في سجل الملوك والقادة والرؤساء العرب، لان خدماته لا تقل ابداً عن خدماتهم الجليلة...
بمثل ذلك الزهو نهض الرجل شاقاً طريقه بصعوبة، وعند باب القاعة كان الجميع في وداعه مغمورين بالسعادة، ثم صافحوه وتوجهوا الى مركباتهم حيث كان السواق ورجال الحماية في انتظارهم، وانطلقوا وهم في قمة السعادة.. وهكذا عبر الصالح وحيداً الى الجهة الثانية من الشارع، كانت السماء تنث نثاً خفيفاً لم يلبث ان اشتد، وكان وهو يحتمي من المطر تحت سقيفة احدى العمائر، قد راودته عشرات الافكار المشوشة، قبل ان ينتبه الى ان الساعة تجاوزت الواحدة بعد منتصف الليل، وان احداً من سواق الاجرة لم يتوقف لنقله، ولذلك اطلق ضحكة هستيرية وراح يردد كلاماً انفعالياً غير مفهوم اثار حفيظة الشرطة والجندرمة والجيش والمليشيات والاستخبارات فالقوا القبض عليه بتهمة اطلاق عبارات غامضة تثير الشك والتساؤل والشبهة!!
تنويه: 99,9 بالمئة من علماء الامة ومبدعيها يحظون بالرعاية والتكريم والميداليات الذهبية بعد انتقالهم الى رحمة الله تعالى!!