كيف قتل بائع الماء الزوجين المتقاعدين بدمٍ بارد؟

العراق 2019/10/20
...

علي فاضل 
 
لم تنفك (هـدى) من تكرار الاتصال بوالدها دون أن تجد أية إجابة منه كون هاتفه مغلقا، كررت الاتصال أكثر من مرة لإبلاغه بمجيئه الى دارها بصحبة والدتها للاقامة فيه طيلة فترة ذهاب زوجها الى مقر عمله في البصرة وفقاً لما يقومان به منذ زواجها واستقلالها عن والديها ببيت زوجها. 
عدم إجابة الوالدين على اتصالها أثار في نفسها القلق، فلم تجد من تستعين به غير والد زوجها، كون شقيقها الوحيد يدرس الطب في محافظة بعيدة لكنها أبلغته عبر الهاتف بقلقها البالغ على والديها جراء عدم رد أي منهما على اتصالها الهاتفي.
 مع حلول المساء ذهبت (هـدى) برفقة والد زوجها الى منزل ذويها وكانت طوال الطريق على اتصال مفتوح بشقيقها عبر الهاتف لاطلاعه على ما يحدث. وصلت مع والد الزوج الى بيت أهلها الذي لفت نظرهما إنارته المغلقة، ومع توالي طرقاتها على باب المنزل لم تجد أية إجابة لتفتحها داخلة الى المنزل المُظلم مستعينة بضوء هاتفها المحمول للاطلاع على ما جرى فيه فكانت الصدمة التي أوقفت حواسها.
جثة والدها مسجاة على الأرض والدماء تحيط بها من كل جانب، وجهت نظراتها المرتبكة الى جانب آخر لتجد جثة والدتها بنفس الوضع مع وسادة غطت وجهها. صرخت بهلع فأغمي عليها من هول المشهد.
كان والد زوجها متماسكاً رغم فضاعة ما شاهد، فقام بسحب (هـدى) من المكان وتحدث عبر هاتفه مع شقيقها الذي استفسر منه مراراً عن سبب صرخات أخته، فاكتفى بأن يطلب منه القدوم الى السماوة بأسرع وقت لتبدأ فصول القصة من تلك الأمسية الحزينة.
 
عشر ساعات انتظار!
شكّت السلطات المختصة بالباعة الجوالين الذين يترددون على منزل الضحيتين، ومع مشاهدة مقاطع كاميرات المراقبة في الحي الذي يسكنانه لفت نظرها دخول بائع ماء (الآرو) خِلسةً الى المنزل في الساعة السابعة صباحاً ولم يخرج منه إلا مع حلول الظلام في مساء اليوم ذاته.
لم ينقض اليوم الثاني حتى القي القبض عليه ليعترف بتفاصيل جريمته. فطوال عامين كان المجرم يجوب أحياء مدينة السماوة بـ(ستوتة) يبيع من خلالها الماء الصافي (الآرو) حيث تعرف على المجني عليه جراء تزويده المستمر لمنزله بماء (الآرو) ما جعله يتردد عليه بشكل مستمر ونتيجة اطمئنان الضحية له طلب من المجرم الدخول الى منزله لوضع حاوية الماء (الجلكان) داخل الباحة لعدم قدرته على حملها بسبب كبر سنه.
 كان (ح) يتعاطف مع قاتله، وقد أحسن إليه أكثر من مرة عبر منحه مساعدات مالية بين حين وآخر أسوة بما كان يفعله مع بائع (الغاز). لكن وحسب زعم المجرم بالتحقيق أن ما دفعه للقيام بفعلته هو تعرض منزله إلى حريق أتى على جميع محتوياته ليخطط بقتل (ح) والاستيلاء على أمواله تعويضاً لما فقد، ظناً منه بأنه يسكن لوحده في المنزل.
في الساعة السابعة من صبيحة يوم الجريمة الذي صادف (جمعة) دخل المجرم خلسة الى منزل (ح) بعد ان ركن دراجته (الستوتة) في الفرع المجاور لدار المجني عليهما، وكان قد أخذ قطعة خشبية مربعة (سير) بطول متر تستعمل في قوالب الصب عثر عليها من إحدى هياكل الدور المجاورة والتي كانت قيد الانشاء، حيث دفع الباب الخارجي لدار الضحية ليختبئ بالحمام الذي بقي فيه لفترة طويلة حتى غالبه النعاس ونام مستفيقاً بعد انقضاء الظهيرة على صوت بائع الغاز.
وعبر فتحة باب الحمام المختبئ فيه اخذ يراقب حركة من بالدار ليشاهد الضحية يخرج للشارع فأستغل ذلك الأمر ليدخل إلى الدار للاستيلاء على ما فيه.
 
الجريمة
لم يكن المجرم يعرف أن بالدار شخصا آخر غير (ح) وعند اقتحامه شاهد زوجته جالسة على فراشها في الصالة وما أن رأته أخذت تصرخ بصوت عالٍ فسارع بضربها على رأسها بواسطة العمود الخشبي الذي كان يحمله مجهزاً عليها. أراد التأكد من فعلته بموت الضحية فوضع الوسادة على وجهها ليكتم أنفاسها ثم اطفأ إنارة الصالة، ولم تمر خمس دقائق حتى دخل المجني عليه (ح) الى داره منادياً على زوجته ليقف المجرم خلفه مباشرة ويجهز عليه بالطريقة ذاتها.
فتش المجرم محتويات الدار وأول ما قام به هو سرقة هاتِفي الضحيتين خشية من انكشاف أمره ثم عثر على راتبيهما التقاعديين (خمسة ملايين وخمسمائة ألف دينار) فقام بسرقته. ليخرج من الدار ويرمي أداة جريمته مع الهاتفين في هيكل المنزل الذي أخذها منه عائداً الى داره.
 
الكشف
مع حلول أذان المغرب عاد المجرم الى بيته فأخبر ذويه أنه كان بالمستشفى جراء وعكة صحية تعرض لها في الصباح، ولم تنقض ساعات قلائل حتى القي القبض عليه ليعترف للسلطة التحقيقية بكل ما قام به من فعلة نكراء أودت بحياة إنسانين  تربويين كبيري السن، استغل ضعفهما ووحدتهما مقابلاً   إحسانهما اليه بالقتل والسرقة.
 
العقاب
قررت محكمة جنايات المثنى بتاريخ 17 /9 /2019 تجريم المتهم والحكم عليه بالاعدام شنقاً حتى الموت استناداً لأحكام المادة 406/1/أ . ج. ح من قانون العقوبات.