حميد السوداني
أيام قليلة وتنتهي عشرون سنة من هذا القرن ولاتزال العقول بآرائها، والقلوب بنواياها، والمبادئ بسلوكيتها، تبرهن على أن الابتعاد عن الشعب خطأ فادح يتحملهُ من يرتكب هذا الخطأ ولا يمكن تركهِ من دون أن نحاورهُ ونبدي أقوالنا ومواقفنا بالصراحة والصدق من دون أن ننسى مقولة أبي ذر الغفاري (كان الناس ورقا لا شوك فيه، فصاروا أشواكاً لا ورق فيه).
إن الحقيقة التي لا يخطأ فيها الجميع، إن البطالة، والجوع، والاعتراف بحق الإنسان بالعيش كريماً موفقاً في وطنه، هي المعيار التي تجعل الإنسان المواطن، ورقة خضراء في شجرة الوطن، وتمنحه الفرص لأن يبتسم للحياة من خلال إبعاد الضيم والظلم والحزن عنه وعائلته والسبعة من جيرانه.
إن سيرة شعب مثل شعب العراق يبرز الينا، كم محنة أصابته وخرج منها جريحاً، وكم ضربة قاصمة لطمتهُ وخرج منها حاملاً أثارها، وكم خنجراً طعن فيه من الظهر والصدر وانتزعهُ من نصلهِ وارتقيت الدماء في أرضهِ الطاهرة، وكم صرخة بوجههِ الكريم العزيز حتى ردَّ الصرخة بالمئات منها ليكون المثل الأعلى والقدوة بين شعوب المنطقة والعالم.
إن سيرة شعب مثل شعب هذا الوطن يجعلنا خدماً لهُ، وأطباء لمرضهِ وجراحه، وحديقة ألعاب لفرحهِ وسرورهِ، ومناجل لحصاد سنابله التي يتناول قمحها الجميع من شمالهِ الى جنوبه، ومن شرقه الى غربهِ، وليس سراً اذا ماقرأنا في سيرالشعوب الأخرى، نرى أرقاماً وسطوراً وانتصارات، وماضيا عريقا ، وحضارة عميقة الجذور، وامبراطورية كانت فيما مضى المأوى لكل من فقد أهله، وعطشت روحهِ، وبحث عن مسكنٍ يـأوي اليـــه في عسر الأيام واعــوامــهِ، لا نجدها عند باقي سكان الأرض من أقصاها لأقصاها... ولهذا وأكثر من ذلك وقد تجلى للمرء أن يرتبط إحساسه بأحساس الآخرين الذين أعطوهُ الرقم والهوية والدم والقرابة والنسب، أن يكون مسؤولاً عليهم، عادلاً، مؤمناً بحق الانسان وواجباتهِ، كما يوطن نفسه أن يكون من المغيرين والمصلحين وقائداً، حكيماً، لاعباً ماهراً في المصالحه، وهذا ما يتمناهُ الجميع، إن بناء الافكار موضوع وطني وهو من صميم العملية السياسية التي تخلق حكايات تتناولها الشعوب الكبيرة والصغيرة لأجل مصالح أبنائها.
فالمحتوى التعايشي يبرز أهمية التغيير في المقام الأول، وقد آن الأوان وبعد مرور فترة من الزمن إن هذا التغيير يشمل ثورة في كل شيء، أستنطاق الذاكرة، تفجير الهممْ، تنوير الطريق، تقدير التضحية ورفع مستوى العمل والكفاءة لأجل اكمال المرحلة الحاضرة بنجاح.
ولا يوجد في الأمر مبالغة إذا أدركنا ما نحنُ نتحدث عنهُ فاتساع الخلاف والابتعاد عن معرفة سبب الخلاف، هو محاكمة لمن يتولى مسؤولية أصحاب الخلاف، وكذلك لمن يقترب من هذا الخلاف والقضاء عليه.
إن ظهور الأسباب التي تستدعي الخوف من النجاح أولاً، وعدم الثقة بالنفس بالقدرة على نجاح المحاُور، أسباب غير مسموح لها في البدء لوضع عنواناً للفوز بكل شيء، الفوز بالمقاربة والفوز بحّل العقدة المزمنة التي تنهي الصراع الطويل بين الكتل والفئات والجبهات السياسية التي أحياناً تضع التعايش والمصالحة في اهتماماتها الثانوية.
إننا نكتب عن التعايش لأن التذكير به هو واجب شعبي ونخبوي في آن واحد، ولاتزال المظاهرات التي تبرز عناوينها بين الفترة والأخرى ما هي إلا تطمينات تتجاوز مرحلة المغادرة الى الطرق المفقودة كدليل لواقع ملموس، قابل للتغيير، والتغييرالكبير إذا ما كان القائمون على فتح الباب وبدون مناورات، من الممكن خلق عالم يسوده التفاهم والتعايش والبناء، بناء الإنسان والوطن.