بينما تخطت تونس عقبة الانتخابات واتجهت الى مرحلة تشكيل الحكومة التي تقود البلاد في المرحلة المقبلة تجد حركة "النهضة" التونسية، الفائزة بأكبر عدد من المقاعد في البرلمان، نفسها أمام مأزق سياسي لعدم قدرتها على تشكيل تحالف يمكنها من تشكيل حكومة، فالحركة تسعى للتحالف مع حزب "التيار الديمقراطي" الذي حل ثالثا في الانتخابات التشريعية، إلا أن الأخير وضع أمامها "شروطا تعجيزية" للقبول بالمشاركة في الحكم. وبالتزامن مع ذلك ينسق التيار مع "حركة الشعب" للبقاء في صف المعارضة.
وفقا للدستور التونسي، فإن حركة النهضة" هي الطرف السياسي المكلف بتشكيل الحكومة لأنها الحزب الحاصل على أكبر عدد من المقاعد في البرلمان في الانتخابات التشريعية التي شهدتها البلاد في الـ 6 من تشرين الأول الحالي.
وينص الفصل 89 من الدستور: "في أجل أسبوع من الإعلان عن النتائج النهائية للانتخابات، يكلف رئيس الجمهورية مرشح الحزب أو الائتلاف الانتخابي المتحصل على أكبر عدد من المقاعد بمجلس نواب الشعب، بتكوين الحكومة خلال شهر يجدد مرة واحدة".
ويشار الى أنه من المرجح أن يتم الإعلان عن النتائج النهائية للانتخابات التشريعية يوم الـ13 من تشرين الثاني المقبل.
وتصدرت حركة "النهضة الإسلامية" النتائج بحصولها على 52 مقعدا في البرلمان، بينما حل حزب "قلب تونس" بزعامة نبيل القروي في المرتبة الثانية بـ38 مقعدا، و"التيار الديمقراطي" (ديمقراطي اجتماعي) ثالثا بـ22 مقعدا، يليه "ائتلاف الكرامة" المحافظ بمجموع 21 مقعدا.
وبناء على هذه النتائج تجد حركة "النهضة" نفسها مطالبة بالتوافق مع أطراف سياسية أخرى لتتمكن من تحصيل الغالبية لأجل تشكيل الحكومة التي تحتاج إلى أغلبية 109 أصوات في البرلمان.
ويمكن اعتبار حزب "التيار الديمقراطي" الطرف السياسي الأبرز الذي ستتفاوض معه حركة "النهضة" من أجل تكوين تحالف. فحركة النهضة، كما أكد رئيس المكتب السياسي في الحركة وعضو لجنة المفاوضات لتشكيل الحكومة نور الدين العرباوي، لن تتحالف مع حزب "قلب تونس" الذي يقوده نبيل القروي ولا مع "الحزب الدستوري الحر" الذي تقوده عبير موسي الذي يعتبر امتدادا لـ"التجمع الدستوري الديمقراطي" الحزب الحاكم قبل ثورة 2011.
ويكشف الفصل 89 من الدستور التونسي عن ان الحكومة تتكون من رئيس ووزراء وكتّاب دولة يختارهم رئيس الحكومة بالتشاور مع رئيس الجمهورية بالنسبة لوزارتي الخارجية والدفاع.
وفي صورة التساوي في عدد المقاعد يُعتمد للتكليف عدد الأصوات المتحصل عليها. وعند تجاوز الأجل المحدد دون تكوين الحكومة، أو في حالة عدم الحصول على ثقة مجلس نواب الشعب، يقوم رئيس الجمهورية في أجل عشرة أيام بإجراء مشاورات مع الأحزاب والائتلافات والكتل النيابية لتكليف الشخصية الأقدر من أجل تكوين حكومة في أجل أقصاه شهر.
وإذا مرت أربعة أشهر على التكليف الأول، ولم يمنح أعضاء مجلس نواب الشعب الثقة للحكومة، لرئيس الجمهورية الحق في حل مجلس نواب الشعب والدعوة إلى انتخابات تشريعية جديدة في أجل أدناه خمسة وأربعون يوما وأقصاه تسعون يوما.
وتعرض الحكومة موجز برنامج عملها على مجلس نواب الشعب لنيل ثقة المجلس بالأغلبية المطلقة لأعضائه وعند نيل الحكومة ثقة المجلس يتولى رئيس الجمهورية فورا تسمية رئيس الحكومة وأعضائها.
وفي هذا السياق قال القيادي في حزب "التيار الديمقراطي" محمد العربي الجلاصي في تصريح لفرانس24 إن حركة "النهضة" قد اتصلت بالحزب واقترحت التحالف معه في البرلمان. وقال إن حزبه أبلغ "النهضة" أن مكانه الطبيعي في المعارضة لأنه لا يثق بالحركة "التي تسترت سنوات على الفساد".
وأوضح الجلاصي أن "التيار الديمقراطي" قدم خمسة شروط لأجل التحالف مع النهضة. وهي أن يكون رئيس الحكومة المقبل مستقلا وغير منتم لأي من الأحزاب الحاكمة، وأن تلتزم الحكومة بتقديم برنامج مكتوب ومنشور للعموم، مضبوط بمواعيد ومسؤوليات تلتزم بتنفيذها وإن لم تفعل بإمكان الشعب أن يحاسبها. وأن يحصل حزب التيار على أدوات مقاومة الفساد السياسي من خلال الحصول على وزارتي العدل والداخلية، وأخيرا أن يحصل على أداة تحسين الإدارة من خلال منح الحزب وزارة الإصلاح الإداري.
من جانبه قال نور الدين العرباوي في تصريح صحفي:"إن المفاوضات بشأن تشكيل الحكومة قد انطلقت لكنها تسير بشكل بطيء، مشيرا إلى أن لقاءات أولية قد عقدت مع الأطراف السياسية الفائزة في الانتخابات التشريعية للنظر معهم في مجالات التفاوض الممكنة".
وأشار العرباوي إلى أن جدول أعمال حركة النهضة في هذه اللقاءات يرتكز على برنامج يقوم على "محاربة الفساد، ومقاومة الإرهاب، مقاومة الفقر... محدد بآجال زمنية على المدى القريب والبعيد".
وأشار إلى أن أبرز الأطراف السياسية التي تحاورت معها الحركة تريد تغيير جدول أعمال هذه المفاوضات وتضع شروطا جديدة، في إشارة لحزب "التيار الديمقراطي".
وأوضح العرباوي أن "التيار الديمقراطي" و"حركة الشعب"، التي فازت بـ16 مقعدا، يعطلان سير المفاوضات بالإصرار على ألا تكون رئاسة الحكومة لحركة النهضة، مؤكدا أنه حقها الدستوري لأنها الحزب الفائز بأكبر عدد من المقاعد في البرلمان.
وفي تصريح لإذاعة جوهرة إف إم الخاصة قال الأمين العام لحركة الشعب، زهير المغزاوي: إن "الحركة غير معنية بحكومة تشكلها أو تقودها النهضة". وأضاف المغزاوي أن لقاءات جمعت حركة الشعب مع قيادات من "التيار الديمقراطي"وذلك في إطار التنسيق بين المواقف والأفكار، موضحا أن هذه اللقاءات ستتواصل نظرا لوجود تقارب في وجهات النظر بين الحزبين.