رسائل المرجعية

العراق 2019/11/04
...

محمد عبد الجبار الشبوط
 
بعد شهر كامل من انطلاق انتفاضة تشرين، وجهت المرجعية الدينية عدة رسائل في كلمتها ليوم الجمعة الاول من شهر تشرين الثاني
2019.
 ومن الضروري ان نتذكر ان كلمات المرجعية (مرجعية السيستاني بالخصوص) نصوص تاسيسية شرعية هادفة الى ارساء اسس وركائز دولة مدنية (حضارية) في العراق، تكون فيها السيادة للشعب والدستور والقانون، ويعم فيها السلام والامان.
وقد تضمنت الكلمة الاخيرة عدة رسائل مهمة، منها:
 
الرسالة الاولى ، منع اراقة الدماء
هذا حكم شرعي اسلامي معروف ومن ضرورات الدين كما يقال، مثله مثل الحكم بوجوب الصلاة. وقد لا تحتاج المرجعية ان تذكرنا به لولا ما حصل من مخالفة له في الشهر الاخير. ولهذا جاء بيان المرجعية بمثابة تذكير بالحكم اكثر من كونه بيانا اوليا له.
فقد قالت المرجعية: «ان الدماء الزكية التي سالت خلال الاسابيع الماضية غالية علينا جميعاً ومن الضروري العمل على منع اراقة المزيد منها، وعدم السماح ابداً بانزلاق البلد الى مهاوي الاقتتال الداخلي والفوضى والخراب، وهو ممكن اذا تعاون الجميع على حلّ الازمة الراهنة بنوايا صادقة ونفوس عامرة بحب العراق والحرص على مستقبله.»
والرسالة واضحة ومعروفة ومفهومة من قبل كل من بادر الى استخدام العنف ضد غيره بدون وجه حق، ولذا لم يكن من اللازم ان تسمي المرجعية الاطراف التي قصدتها، لان هذه الاطراف تعرف نفسها. وما عليها الا ان تمتنع عن استخدام العنف، خاصة وانه من الممكن تجنب هذا .
 
الرسالة الثانية، ادانة العنف ضد المتظاهرين
ولم تكتفِ المرجعية بالتذكير بالحكم الشرعي القاضي بتحريم استخدام العنف، انما وقفت موقف الدفاع عن المتظاهرين السلميين الذي تعرضوا للعنف، بكل انواعه الجسدي واللفظي، وكررت ادانتها له، كما فعلت في الاسابيع الماضية:
«ان المرجعية الدينية تجدد التأكيد على موقفها المعروف من ادانة التعرض للمتظاهرين السلميين وكل انواع العنف غير المبرر، وضرورة محاسبة القائمين بذلك، وتشدّد على الجهات المعنية بعدم الزجّ بالقوات القتالية بأيّ من عناوينها في التعامل مع الاعتصامات والتظاهرات السلمية، خشية الانجرار الى مزيد من العنف.»
واللافت هنا تحذير المرجعية من استخدام «القوات القتالية» في التعامل مع الاعتصامات والتظاهرات السلمية. وهذا واضح جدا، يعرف مقصوده القادة العسكريون».
 
الرسالة الثالثة، سيادة: الشعب
ربما كانت هذه هي اهم رسائل المرجعية لهذا الاسبوع، ليس لان الفكرة بحد ذاتها فكرة جديدة، فهي من اوليات الفكر السياسي للدولة الحديثة. وسبق للمرجعية ان اكدت عليها في اكثر من مناسبة كما في بيان سابق جاء فيه:»لقد سعت المرجعية الدينية منذ سقوط النظام الاستبدادي السابق الى ان يحلّ مكانه نظامٌ يعتمد التعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة عبر الرجوع الى صناديق الاقتراع، في انتخابات دورية حرّة ونزيهة، وذلك ايماناً منها بانه لا بديل عن سلوك هذا المسار في حكم البلد إن اريد له مستقبل ينعم فيه الشعب بالحرية والكرامة ويحظى بالتقدم والازدهار، ويحافظ فيه على قيمه الاصيلة ومصالحه العليا.»
لكن الجديد في الامر ان المرجعية جعلت هذا المبدأ التأسيسي المهم محور ستراتيجية الخروج من الازمة الراهنة، بمعنى ان اي حل للازمة يجب ان يمر عبر مبدأ سيادة الشعب وليس بتجاوزه او الاحتيال عليه.
العنوان الرئيس للتظاهرات الاحتجاجية هو التغيير. وهذا التغيير يجب ان يتم عبر الارادة الشعبية التي يمكن تجسيدها عبر الاستفتاء العام. فتغيير الدستور والانتقال الى النظام الرئاسي وغير ذلك من الامور المتعلقة بالنظام الرئاسي لا يصح ان تفرضه اي جهة بالقوة، اية قوة، على الناس.
وفي هذا الصدد قالت المرجعية: «ان احترام ارادة العراقيين في تحديد النظام السياسي والاداري لبلدهم من خلال اجراء الاستفتاء العام على الدستور والانتخابات الدورية لمجلس النواب هو المبدأ الذي التزمت به المرجعية الدينية وأكدت عليه منذ تغيير النظام السابق، واليوم تؤكد على ان الاصلاح وإن كان ضرورة حتمية ـ كما جرى الحديث عنه اكثر من مرة ـ الا أن ما يلزم من الاصلاح ويتعين اجراؤه بهذا الصدد موكول أيضاً الى اختيار الشعب العراقي بكل اطيافه والوانه من اقصى البلد الى اقصاه، وليس لأي شخص أو مجموعة أو جهة بتوجه معين أو أي طرف اقليمي أو دولي أن يصادر ارادة العراقيين في ذلك ويفرض رأيه عليهم.»
وفي هذا رفض لكل انواع التدخل والفرض والاكراه الخارجي منه والداخلي، على السواء.