«طفيلي} بونغ غو ممتع فنيا وموجع إنسانيا

الصفحة الاخيرة 2019/11/05
...

  القاهرة/ صفاء الليثي

 
 
 
نافذة حافتها الشارع يقع تحتها منزل عائلة من الفقراء، شارع يتبول فيه السكارى وتنتشر رائحة بولهم لتعبق البيت بمحتوياته وساكنيه، ونافذة أخرى تطل على حديقة واسعة حيث منظر خلاب، لنرى معادلة غير موزونة بين جحيم من القذارة و" تلك الرائحة" ونعيم من الخضرة والجمال، هذه المقارنة هي محور احداث الفيلم الكوري " طفيلي" الذي أسس فيه المخرج  بونغ غو عبر 12 لقطة مدخلا لفيلمه، اذ وضعنا في توقع أن هؤلاء الساكنين في القبو سيحتلون البيت الذي يشبه قصرا، ذكاء الابن، وجمال الابنة وموهبتها، خفة ظل الأب، وصبر الأم يجعلني أتعاطف معهم وأنزعج من مشهد ظهروا فيه وقد سكروا وملأوا البيت بالقاذورات أثناء تغيب الأغنياء في رحلة تاركين المنزل في رعاية المدبرة الجديدة ، يطول المشهد الذي يحكي الابن فيه عن استلطاف ابنة الأغنياء له وأنه يمكن أن يتزوجها، يقول الأب: "وهكذا ويصبح هذا البيت الكبير بيتك؟" هذا بيت القصيد إذن.
 وصلنا الى منتصف الفيلم  قبل أن يحدث الانقلاب الدرامي بوصول مدبرة المنزل القديمة واكتشاف القبو تحت القصر، ها هو قبو آخر جعلته المدبرة مخبأ لزوجها الهارب من سداد دين كبير، قبو لا تعرف عنه أسرة الغني  شيئا، بناه المالك القديم تحسبا لهجوم نووي من كوريا الشمالية، يسكنه اختيارا زوج مدبرة المنزل ، الرجل الذي ظهر لطفل الأسرة الغني كشبح مخيف،  ما جعله يرسمه في كل لوحاته التي عرضها على ابنة الفقراء. اختار الرجل الشبح أن يعيش كحشرة طفيلية يوقد للسيد الأنوار من مفاتيج بالقبو كلما سمع خطواته في ممرات القصر فوقه. ها هو الرجل الشبح يسير على أربع كحشرة، وها هم الأربعة أفراد الأسرة الفقيرة كالصراصير تعود حين هطل المطر واضطروا الى العودة لمنزلهم في البدروم هابطين سلالم كثيرة حتى يصلوا إلى طفح المجاري ويمضون الليلة في ساحة تضم أمثالهم،. هناك تحليل قديم لطريقة عمل كوروساوا التي تشبه اللغة اليابانية التي تكتب رأسيا فتكون حركة الكاميرا وخاصة في فيلمه "الساموراي السبع" رأسية وليست عرضية كأغلب أفلام الغرب التي تتحرك فيها الكاميرا في " لقطة افقية "من الشمال إلى اليمين كما حروف الكتابة اللاتينية. هنا في طفيلي ثمة حركة رأسية هابطة كمياه تتدحرج حيث فتحات المجاري، فعليا وواقعيا هم يهبطون إلى منزلهم  تحت  الارضي العفن، حيث تلتصق  رائحة العفونة  بأجسادهم، التي يتعرف عليها  طفل الاغنياء  شديد الحساسية ، فهو يقول "انها  نفس الرائحة"، فيجعلنا نتخوف من كشف المستور عن علاقة الأب وقد أصبح السائق الشخصي لرب الاسرة و الأم وقد أصبحت مدبرة المنزل، يقول الأب عند عودتهم لابد أن نغير من نوع الصابون، غير مدرك لمصدر الرائحة التي لاحظها أيضا الأب الغني وتزكم أنفه في السيارة، تلك الرائحة التي أحس بها في مشهد النهاية وهو يأخذ مفاتيح السيارة بجوار جثة الرجل الشبح، كيف له وسط كل هذه الدماء والقتل أن يعبر عن تأففه من " تلك الرائحة" هذا التأفف الذي جعل الأب الفقير يطعنه في انقلاب درامي آخر لم نتوقعه. يضطر الأب إلى البقاء في القبو،  الذي أسسه أصحاب المنزل القدماء استعدادا للتخفي،  إذا ما  غزا الكوريون الشماليون وطنهم  الجنوبي ، وهذه سخرية مرة من المخاوف من الشمالية.
. في مقال للناقدة ايزابيل ستيفنز تكتب" بعد اشراك المشاهد في لعبة التخمين أي من العائلتين هما الأوغاد الفاسدين الأوساخ ، أدركنا في ما بعد فقط أن الرأسمالية هي الطفيل الحقيقي" ولكن هل ما وصلت إليه الناقدة واضح لكل من يشاهد الفيلم؟ ، لم يصل بونغ غوهو إلى استنتاج ولم يجب على السؤال، لكن بمسار اللقطات وخطها الهابط يؤكد أن الطفيلي هم أسر الفقراء، ليس لأنهم ولدوا أشرارا ولكن لأن البنية الاجتماعية والاقتصادية تجبرهم على العيش هكذا. 
فالرأسمالية هي الطفيل الحقيقي تفسير مريح للناقدة الغربية ولي أيضا، ولكن المخرج لم يطلق أحكاما ولم يقرر من هم الأشرار ومن هم الأخيار، بل عبر بجلاء عن فارق طبقي رهيب في بلده بين عائلتين تمثلان نسيجا حاليا للمجتمع في كوريا الجنوبية من خلال كوميديا سوداء رسم ملامحها بحوار دال وبناء للشخصيات محمل بالدلالات. ويمكن أن ينطبق ما وصل إليه على أي بلد في عصر تسيد الرأسمالية في ما يسمى بالنظام العالمي الجديد.