أغانٍ منعها الرقيب بذريعة الإيحاءات السياسيَّة

الصفحة الاخيرة 2019/11/10
...

الصباح / قاسم موزان  
الاغنية تعبير وجداني راق يتناغم مع الروح بمسارات جميلة تحلق بالنفس في عوالم الجمال والتأمل بدفق عاطفي، ولا تحتمل تفسيرات او انزياحات ينسجها مخيال الرقيب الاذاعي او التلفزيوني وتذكيها اقوال وتقولات آخرين خارج اطار الذائقة المجردة بذريعة ان هذه الاغنية او تلك تحمل في نصها ايحاء سياسياً ضد جهة او حاكم وللأغاني المصرية الحصة الاكبر من المنع عربياً ومحلياً.
وتاريخ الأغنية العاطفية يؤكد وجود قراءات اخرى مستفيدة من الجو العام السائد، واستخدم النص الغنائي  لتوجيه رسائل للخصوم، أو الاستهزاء بهم، من بين هذه الاغنيات نذكر.
استثمرت الاذاعة البريطانية اغنية "البوسطجية اشتكوا من كتر مراسيلي"  للمطربة رجاء عبدة " ابان حرب السويس للاستهانة بالرئيس عبد الناصر لكون والده كان موظفاً بسيطاً في مصلحة البريد، فضلاً عن أن الاذاعة المصرية منعت تلك الاغنية ايضاً احتراماً للرئيس ، كما ان الاذاعة العراقية في حقبة الخلاف المصري – العراقي في مطلع ستينيات القرن الماضي في عهد الزعيم عبد الكريم قاسم كانت تبث الاغنية باستمرار كيداً بالرئيس عبد الناصر ، وجرى استثمار اغنية المطربة صباح " بياع كلام " عقب  كل خطاب  يلقيه عبد الناصر في اشارة الى انه يقول ولايفعل . 
اما اغنية " مصطفى يا مصطفى " التي غناها بوب عزام 1959 " مطرب مصري من اصل لبناني "  ولحنها محمد فوزي ولاقت الاعجاب في العالم وغناها مطربون اجانب، الا انها قد خضعت هي الاخرى  للايحاء السياسي في مضمونها، بزعم انها حنين الى العهد الملكي في مصر، اما الاغنية فهي للاشادة برئيس الوزراء مصطفى باشا النحاس في الزمن الذي سبق ثورة يوليو، وان لا شيء تحقق "سبع سنين في العطارين " في اشارة الى مرور سبع سنين على الثورة المصرية.
ومصطفى النحاس نفسه منع اغنية" ياعوازل فلفلو" للموسيقار فريد الاطرش وكلمات ابو السعود الابياري بحجة ان كلماتها  غير لائقة ولا تتناسب مع الذوق العام  وانه المقصود بهذه الاغنية لخلافه مع علي  باشا ماهر لكثرة تردد الاخير على القصر الملكي في عابدين  ولكون الملك فاروق يكن كرهاً للنحاس باشا .
اما عراقياً .. في زمن الزعيم عبد الكريم غنت المطربة مائدة نزهت اغنية بغدادية جميلة اسمها " يا ام الفستان الاحمر فستانك حلو ومشجر " ، وقوبلت هذه الاغنية باستحسان المستمعين والمشاهدين وكان الناس يرددونها بحب، الا ان بعد نجاح انقلاب شباط 1963 وتصفية الخصوم، تعرضت هذه الاغنية الى منع بثها في الاذاعة والتلفزيون بذريعة انها تخاطب الحزب الشيوعي لكون اللون الاحمر يشير للثورة البلشفية السوفيتية، واختفت الاغنية من الذاكرة وطمست معالمها في الاعوام اللاحقة.
في ذروة الخلاف السياسي بين العراق وسوريا منع رئيس النظام السابق صدام حسين لدى تسنمه السلطة في العام 1979 بث اغنية المطرب السوري موفق بهجت  "ياصبحة هاتي الصينية " لانها تحمل اسم والدة صدام ما يعني اساءة لها " اما الجانب الاخر فكان يصر على اذاعة الاغنية باستمرار وفي كل حفل يغني بهجت هذه الاغنية امعاناً في الايذاء النفسي لصدام ومنعت أغنية "صبوحة خطبها نصيب" من البث للسبب نفسه، كما منعت اغنية " نايم المدلول " للمطرب حسين البصري بذريعة انها  اعتراض على مقتل العديد من الشباب في الحرب العراقية الايرانية.
ومن النتائج السلبية  لزيارة انور السادات الى تل ابيب في العام 1976  لعقد اتفاقية سلام بين مصر واسرائيل  ان منعت اغان لمطربين مصريين كانوا مؤيدين لتلك الزيارة  في عدد من العواصم العربية التي شكلت جبهة الصمود والتصدي وفي مقدمتهم الموسيقار محمد عبد الوهاب .
بعد هذا السرد التاريخي لبعض الاغاني العاطفية التي منعت من البث لاسباب تبدو غير منطقية وغير مبررة ولكن فترة الصراعات والخلافات السياسية والاجتماعية وفرت الاجواء السائدة المتشابكة، السؤال الاهم لماذا لا تمنع اليوم  اغان هابطة في الكلمة واللحن والاداء ولاتخضع للمعايير الفنية وفيها اساءة بالغة للذوق
 العام.