ابراهيم العبادي
يستعجلُ السياسيون ورجال المال والاعمال، انتهاء الحراك الاحتجاجي الاوسع والاضخم في العراق، فبعد اسابيع طوال من القلق والمساجلات وانفجار المكبوت وانفلات غضب العراقيين وسقوط عدد كبير من الضحايا، توشك الحركة الاحتجاجية على لملمة اوراقها وجمع ناشطيها من الشوارع، لتعود الى جرد الخسائر والارباح التي حققتها.
وللموضوعية والانصاف فان العراق لم يشهد في تاريخه حراكا جماهيريا واضح الشعارات والاهداف، بمحركات ودوافع مشروعة ومطلوبة كما الحراك الذي انطلق في الاول من تشرين الاول، وما زال قادرا على الصمود والمطاولة، فرغم الخسائر البشرية الكبيرة ومحاولات الاتهام والتشويه، ودخول اجندات كثيرة تستثمر وتوظف في هذا الحراك، الا انه سجل صفحات مشرقة في وطنيته واصراره على وضع نهاية لحقبة سياسية، خالطها فساد كبير وسقوط الفاعلين السياسيين في الاخطاء السياسية الكبرى، من استغلال بشع للسلطات واستحواذ على المجالين السياسي والعام، وزبائنية مفرطة في السلوك، حولت العراق الى مزرعة كبيرة لكل التشوهات واشكال الفساد السياسي والاقتصادي والقانوني والاداري بما افسد المشروع الديمقراطي وكلل القوى السياسية بكل مشاربها وتوجهاتها بالعار والفشل .
سجل الشعب العراقي انه انتفض على النظام السياسي (الديمقراطي) بعد اقل من عقد ونصف العقد على تاسيسه وراح الجميع تحت وقع الضغوط والخشية على الدولة من الانهيار يبحثون في ثنايا الدستور والقوانين التي كانت سببا في تراكم الفشل والفساد والمحسوبية وضياع هيبة الدولة وتراجع القانون والضبط القضائي والاجتماعي الى الحضيض، نادى الحراك الجماهيري بوضع حد لفساد الطبقة السياسية باصلاح النظام السياسي وقطع المغذيات السياسية بالغاء الدوائر السرية والعلنية التي تعيد تصميمه في كل مرة وتسمح لذات الوجوه والقوى بالعودة الى السلطة وممارسة الاستنفاع السلطوي والمالي بذريعة الممارسة الديمقراطية ونتائج صندوق الاقتراع والانتخابات، عرف الاحتجاج ان النظام الانتخابي والمؤسسات التي تشرف عليه مصمَّمان ليعيدا تدوير القوى السياسية مكوناتيا وحزبيا وايديولوجيا دونما فرصة للقوى الجديدة والتوجهات غير المؤدلجة، فراح يطالب باستقالة الحكومة وتغيير قانون ومفوضية الانتخابات وتجديد النظام من داخله استجابة لمتغيرات الوعي والهوية الاجتماعية ونشوء جيل جديد على قطيعة واضحة مع القوى الايديولوجية وارتباطاتها ومصالحها الداخلية والخارجية، كان الرهان على التغيير والتغيير العميق هو شرط نجاة العراق واجياله القادمة، لكن الطبقة السياسية حصلت على طوق انقاذ مؤقت عندما اقترحت استجابات للحراك بهندسة سياسية ناعمة وبتنازلات غير واضحة حتى اللحظة، فخارطة الطريق بمدة زمنية محددة التي طالبت بها المرجعية، ونصائح ومشاورات الجيران النافذين، وضرورات ادامة الحياة العادية، الزمت فسح المجال لما اعلن من خطوات لترى النور، لكن هناك مخاوف من ان تظل هذه التنازلات رهن مساومات القوى الممسكة بالسلطة الفعلية، والاعيب الصياغات البرلمانية، فالطبقة السياسية ادركها الخوف والقلق وبان عريها الاخلاقي ولم تنضج بعد لتقديم تنازلات جدية، ليتأجل غضب الشارع الى موعد انفجار جديد .