انسحاب محمد الصفدي من مهمة تشكيل الحكومة اللبنانية

الرياضة 2019/11/17
...

بيروت/ جبار عودة الخطاط
 
 
عاد المشهد السياسي اللبناني المضرّج بالإرتباك الى المربع رقم واحد بعد سحب المرشح لرئاسة الحكومة محمد الصفدي اسمه - كما توقعت «الصباح» في تقريرها أمس الاول- من مهمة اعادة تشكيل الحكومة خلفا للمستقيل سعد الحريري.
الصفدي الذي وجد نفسه أخيرا مجرد ورقة سياسية لعب بها آخرون لتعزيز اسهم تفاوض ومساومة يراد لها ان ترتفع بشتى الوسائل.. التقى في ساعة متأخرة من ليلة امس الأحد رئيس التيار الوطني الحر باسيل وابلغه انه لم يعد قادرا على تحمل ضغط الشارع المنتفض وما يجري من مناورات سياسية جعلت اسمه في مهب ريح عاصفة وبالتالي فهو ينسحب من كونه مرشحاً لمنصب رئيس الوزراء.. وهكذا عاد اسم رئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري للتداول ليكون المرشح الأقوى في لعبة تشكيل الحكومة.
 
بيان الصفدي
وفي أول تعليق له  قال محمد الصفدي، في بيان أصدره الأحد ، بصدد سحب اسمه من التداول كأحد الأسماء المطروحة لتشكيل الحكومة، “آمل أن يتم تكليف الرئيس سعد الحريري من جديد” وارتأى الصفدي بحسب البيان أنه من الصعب تشكيل “حكومة متجانسة ومدعومة من جميع الفرقاء السياسيين، تتمكن من اتخاذ إجراءات إنقاذية فورية تضع حدا للتدهور الاقتصادي والمالي وتستجيب لتطلعات الناس في الشارع”.
وصرح بأنه “وبعد ثلاثين يوما على وجود الناس في الشارع للمطالبة بأبسط حقوقهم المهدورة فان الوضع لم يعد يحتمل الانتظار ولا المراوغة ولا المشاورات الإضافية”.
وقال الصفدي في البيان إنه “وبعد أيام قليلة على إبداء رئيس الحكومة المستقيلة سعد الحريري رغبته بتكليفي لتشكيل الحكومة العتيدة، مؤكدا دعمه الكامل والمطلق وواضعا فريق عمله في تصرفي، كان لا بد لي وكرجل مسؤول ومدرك لخطورة هذه المرحلة من أن أقوم بسلسلة مشاورات ولقاءات مع بقية الأطراف السياسية”.
 
خيوط اللعبة
وهكذا وبطبخة لم تعد خيوطها مضمرة أعيد تدوير الأزمة وعادت الخلافات السياسية والمواقف المتناقضة، لتعود الاتصالات القهقرى وتعود كما هو المتوقع الى بيت الوسط حيث رئيس تيار المستقبل سعد الحريري الذي يعلن تشبثه بحكومة كفاءات أو تكنوقراط.
وبينما يجري تداول تمسك الحريري  بشرطه المعلن “حكومة تكنوقراط” لقبوله التكليف، لفتت مصادر مطلعة الى انه يتم العمل على التباحث مع الحريري حول الصيغة التي طرحت سابقا وهي ان تكون الوزارات السيادية الأربع من السياسيين، أي الدفاع والداخلية والخارجية 
والمالية.
العودة للحريري
النائب السابق مصطفى علوش المقرب من الحريري.. أكد أن “رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري أصر خلال لقائه مع ممثلي حزب الله وحركة أمل يوم الخميس الماضي على حكومة تكنوقراط”،
وأضاف: “الحريري قال ان هناك جملة من الأسماء لتأليف الحكومة واذهبوا للاستشارات النيابية”. وشدد علوش على أنه “حتى هذه اللحظة فان سعد الحريري مصر على حكومة تكنوقراط من دون سياسيين.. أما رئيس مجلس النواب نبيه بري فحذر من عواقب المناورات والمزيد من التسويف  بقوله” الامور تزيد تعقيداً ولا بد من حل سريع يخرج لبنان من هذه الازمة، وخصوصاً أنَّها تتفاعل على اكثر من مستوى، وينذر استمرارها بمخاطر كبرى على البلد”
 
رواية العونيين
التيار الوطني الحر (التيار العوني)  قدم رواية حيال انسحاب الصفدي وفقا لتصريح مصدر منه  نشرته جريدة النهار اللبنانية جاء فيه “ في ما يتعلق باقتراح تسمية الوزير السابق محمد الصفدي لتشكيل الحكومة فإننا طرحنا فكرة حكومة اختصاصيين مؤلفة ومدعومة من الكتل النيابية ويتمثل فيها الحراك، لم يوافق عليها الثنائي (حزب الله وحركة أمل)، اذ طرح الثنائي فكرة حكومة تكنو- سياسية لم يوافق عليها الحريري. عندها اقترحنا فكرة ما بين الاثنين برئيس مدعوم من الحريري ويتمثل فيها كل فريق بحسب ما يريد بين اختصاصيين وسياسيين، فوافق الجميع على الفكرة. عليه، تم طرح اسماء عدة لرئاسة الحكومة وتم الاتفاق على اسم الصفدي ليدعمه الحريري بشكل كامل. تم الاتفاق بين الحريري والصفدي على ثلاثة امور التزم بها الحريري لتأكيد دعمه: دعم المفتي، دعم رؤساء الحكومة السابقين ودعم علني واضح من الحريري. لم ينفذ الحريري أيّاً من الأمور الثلاثة لا بل حصل العكس بخصوصها”. وتابعت: “رأى الصفدي ان الدعم غير متوفر وقرّر الانسحاب. وعليه قدم التيار كل التسهيلات المطلوبة للاسراع بالتكليف والتأليف حيث تم الاتفاق ايضاً على الخطوط العريضة للتأليف”.
 
صعوبة التشكيل
من جانبه قال النائب عن حزب الله حسين الحاج حسن: “لم يكن لدى حزب الله رغبة في ان يستقيل رئيس الحكومة، لإدراكه بأن تشكيل حكومة جديدة هو أمر فيه كثير من الصعوبة، وهذا ما واجهناه لعدة أشهر عند تشكيل الحكومات السابقة، وحتى لا يمتد تصريف الأعمال لفترة طويلة”.
وأشار الى ان “الواقع يقتضي ان تكون هناك حكومة لتلبية مطالب الحراك، فكيف يتم تحويل الفكرة الى مشروع قانون أو اقتراح قانون أو قرار بدون حكومة ومجلس نيابي، لذا هناك ضرورة لتشكيل الحكومة، والعمل يجري في هذا السياق، والآن يجري نقاش على اوسع مدى بين الكتل النيابية للاتفاق على تسمية رئيس للحكومة خلال الاستشارات النيابية الملزمة، تليها الاستشارات النيابية مع الرئيس المكلف، وتشكيل حكومة لتحقيق مطالب الحراك التي نحن معها بدون أي تحفظ”.
 
مراهقة سياسية
كل ذلك يجري بينما الشارع اللبناني مازال ممسكا بخيوط احتجاجه ومؤكدا مطالبه بعدم قبوله بحكومة تعيد انتاج الوجوه القديمة.. ساحات رياض الصلح والشهداء والنور في طرابلس ومناطق أخرى تشهد تحركات مستمرة وهي تراقب الوضع السياسي الذي لم يخف المراقبون مدى تأثير ذلك الحراك في توجه بوصلته التي تتحرك في اتجاه تشكيل الحكومة الجديدة وبهذا السياق  وصف الكاتب منير الربيع عملية إحراق الصفدي باللعبة السمجة” التي دخلتها القوى السياسية، بعيد الاتفاق على ترشيح محمد الصفدي لرئاسة الحكومة الجديدة، هو ان السياسة في لبنان اصبحت بكليتها “مراهقة” مؤذية فاللعبة تتمحور حول عودة كل طرف الى موقعه السابق من دون ان يخسر شيئاً. وكل واحد منهم يرى الحال وفق منظوره الضيق، فلا يرى غير جمهوره (أتباعه في طائفته بالأحرى) وكيفية ارضائه والهاب مشاعره بالبطولة والزهد بالمناصب”
 
تسجيل نقاط
ويضيف ربيع” ما من واحد منهم أعطى اعتباراً لما يجري في الشارع، فلجؤوا إلى ترشيح محمد الصفدي، احد اكثر الأسماء التي تستفز المتظاهرين. وهذا يؤكد انهم لا يهتمون بمطالب الناس. هذه المراهقة تطلق عليها القوى السياسية عبارة “مناورة”. فأحرقوا طبختهم وأصابعهم، في تسجيل النقاط على بعضهم البعض. هوى اسم محمد الصفدي قبل ان يُسمّى بالاستشارات النيابية. البطولات على الطريقة الهوليودية والحسابات الأنانية هي التي اطاحت بطبختهم.  تلك المراهقة بدأت منذ الساعات الأولى للمفاوضات بعد استقالة الحكومة، واستمرت المناورات الى ان تم الرسو على الصفدي.