سامر المشعل
تفرد الفنان رضا علي عن سواه من الفنانين، بمقدرته على ارتجال الاغاني، بتجسيد يتسم بالعفوية والتلقائية، وبسرعة انجاز مدهشة، جعلت نجمه يسطع في سماء الاغنية في التعبير عن مناسبات شتى، حينما كان فؤاده يهفو الى ذكرى او حادثة او موقف يمر باصدقائه ومحبيه والمجتمع الذي كان يتحسس افراحه واتراحه .. فهو يمتلك روحاً متوقدة الشاعرية، فضلاً عن كونه ملحناً له اسلوب خطه لنفسه بالتعبير عن خلجاته، ولم يقلد غيره من الفنانين الذين سبقوه.
لذلك كان مميزاً باسلوب لحنه وادائه لاسيما ان عدداً من اغانيه، قام هو نفسه بادائها، فهو بالاضافة الى هذه المواهب يمتلك صوتاً جميلاً، و شارك ممثلاً في العديد من المسرحيات والافلام العراقية..
وفي العام 1958 جاءت الاميرة فاضلة خطيبة الملك فيصل الثاني الى العراق عبر مركب من ميناء البصرة، فحركت هذه المناسبة مشاعر الفنان رضا علي، لعمل اغنية “ مركب هوانا من البصرة جانا “، واهداها الى الملك فيصل الثاني، والتي يبدأ مذهب الاغنية:
مركب هوانا من البصره جانا
جايب حبيب الروح عنده امانه
فكانت هذه الاغنية افصح تعبير عن مشاعر الفرح والشوق في استقبال الاميرة.. جعلت نشوة الحب تتألق بين الاميرة والملك، وتعكس تفاعل الشعب مع هذا الحب.
وقد انتشرت الاغنية في الشارع العراقي، انتشاراً واسعاً واخذ الناس يرددونها باستمرار من تاريخ تسجيلها في العام 1958 وحتى الان ويترنمون في اداء مفرداتها وبالاخص أهالي البصرة، الذين شعروا ان هذه الاغنية نظمت لهم، لكن الكثير من المستمعين وخصوصاً الجيل الحالي لا يعرف المناسبة الى كتبت بها هذه الاغنية..
اما على مستوى البناء اللحني للاغنية، فقد اجاد الفنان رضا علي في وضع الاغنية بطابع خفيف معبر متوهج بالاحاسيس المنسجمة مع روح المفردة ومضمونها، واستخدم ايقاع الهيوة الراقص والذي يستخدم كثيراً في مدينة البصرة، ليمنح اللحن طاقة من الحيوية والتطريب المتفاعل مع جو الفرح الشفاف الذي يغلف الاغنية، فكانت هذه الاغنية وجدانية عاطفية مترفة بالمشاعر والاحاسيس وضعت بطريقة عفوية، ومازالت اغنية “مركب هوانا” تحمل في طياتها الطراوة والخطاب الوجداني الصادق في كل زمان ومكان، وتؤشر لموهبة الفنان رضا علي وتفاعله مع المواقف الانسانية والعاطفية، رغم انه لم يتخرج من معهد او اكاديمية موسيقية متخصصة، انما احب الفن وعلم نفسه وانصاع لموجة الحب التي عصفت به لتجعل منه موهبة، لا تتكرر
بسهولة.
لكن يافرحة ما تمت ولم يسعد الحبيبان لفترة طويلة وقبل أن يتم الزواج، جرى انقلاب عسكري على الحكم الملكي وسقط النظام وقتل الملك فيصل الثاني، ولم يتم الزواج، فكانت الاميرة فاضلة فأل نحس على العائلة المالكة، وعاشت بعدها سنوات من الالم والحزن لما جرى لها من احداث دراماتيكية
مأساوية.
ولقبت بعد ذلك بـ “ الاميرة الحزينة “ التي كادت أن تصبح ملكة العراق، لولا اغتيال خطيبها ملك العراق فيصل الثاني في العام 1958.