أعتقد بأنَّ لا أحد يدري ما هو عدد الفضائيات العراقيَّة التي بدأت بعدد أصابع اليد الواحدة, ووصلت لاحقاً الى عدد النجوم, مثلما أعتقد بأنَّ لا أحد يعرف على وجه اليقين انتماءها وأهدافها وتمويلها, وهذا يفسرُ لنا سبب التخبط في ما تبثُه هذه القنوات من أخبار ومعلومات وتصريحات يعارضُ بعضها البعض الآخر.. وهذا المنهج قديم منذ العام 2003 الى يومنا المبارك هذا, وكان من نتائجهِ المباشرة أنْ ذهبتْ ضحيته أعصابُ المواطن وقناعته حتى فقد الثقة بالإعلام العراقي مجتمعاً, حتى الرزين منه والصادق, بعد عمليات التشويش التي يتعرض لها كل يوم...
حقاً لا أدري من هي الجهة التي يجب أنْ تردع هذا الانفلات, والقادرة على وضع المواطن في المكان الإخباري والمعلوماتي الآمن والبعيد عن الأكاذيب الرخيصة والفبركات السخيفة لإشاعة الفوضى والتضليل.. سأحاول بحدود ما تسعفني به الذاكرة, إحالتكم الى نماذج واقعيَّة مما سمعناه وما زلنا نسمعه من حرب التصريحات.
• ذكر مصدر في قوات التحالف, أنه قد تم إلقاء القبض على عزة الدوري.. وقبل مضي 24 ساعة, وعلى فضائية أخرى, نفى الناطق الرسمي باسم قوات التحالف خبر القبض على عزة الدوري.. وبعد يوم واحد ذكرت فضائيَّة ثالثة بأنَّ مصادرها الخاصة أكدت بأنَّ الرجل الذي أُلقي القبض عليه هو سائق عزة الدوري, وفي اليوم نفسه أوردت فضائيَّة رابعة في خبر عاجل لها, أنَّ خال السائق الخاص بالدوري هو الذي أُلقي القبض عليه!!
• في ليلة واحدة أشارت فضائيَّة (أ) الى وقوع انفجار سيارة مفخخة أدى الى جرح واستشهاد (4) مواطنين في شارع السعدون, فيما ذكرت الفضائية (ب) أنَّ الانفجار الذي كان قريباً من ساحة الطيران قد تم بحزامٍ ناسفٍ وأدى الى مقتل (37) وجرح (42) معظمهم في حالات خطرة!
• صرّح مصدرٌ مسؤولٌ في وزارة التجارة,- اعتذرَ عن ذكر اسمه- بأنَّ الوزارة ستلغي العمل بنظام البطاقة التموينيَّة, وبعد ساعتين فقط وعلى فضائيَّة أخرى نفى الناطق باسم الوزارة مثل هذه المعلومات, مؤكداً في الوقت نفسه أنَّ الوزارة تدرسُ إمكانية زيادة مفردات الحصة.
• نقلت إحدى الفضائيات تصريحاً للنائب فلان الفلاني حيث تعرض الى محاولة اغتيال قرب الجامع الكبير في الحلة, وعلى فضائيَّة أخرى تصريح رسمي للناطق باسم القوات الأمنية, نفى فيه خبر المحاولة, لأنَّ السيد النائب سافر قبل ثلاثة أيام للعمرة..
• على إحدى الفضائيات نفى الناطق باسم وزارة الماليَّة نفياً قاطعاً ما أوردته إحدى الفضائيات من مزاعم حول وجود زيادات مرتقبة في رواتب المتقاعدين.
• بعد هذه الفوضى الغريبة يجب ألا نستغرب لو طلعت علينا إحدى الفضائيات بالخبر التالي: أكد مصدرٌ رفيع المستوى في البنتاغون, أنَّ الشعب العراقي ينعمُ بالهدوء والحريَّة وأفضل الخدمات.. وبعد أقل من نصف ساعة تطلع علينا فضائيَّة أخرى بالخبر التالي, مسبوقاً بمفردة عاجل: نفى المتحدث الرسمي باسم البيت الأبيض, الأخبار الكاذبة التي أوردها مصدرٌ في البنتاغون..