نصائح للمتظاهرين

الصفحة الاخيرة 2019/12/01
...

حسن العاني 
منذ الاحتلال الذي تقف وراءه سياسات صدام حسين الهوجاء ونرجسيته التي فاقت الحدود البشرية، والذي قاده الاميركان ونفذوه بقذارة مشهودة هي جزء من سلوكهم، ومن طبيعة نظامهم، اقول: منذ الاحتلال قبل ست عشرة سنة (ما مرّ عام على العراق) إلا واستقبلت شوارعه وساحاته تظاهرة هنا او هناك، في هذه المحافظة او تلك، صغيرة مرة او كبيرة، عامة او خاصة، وكان الغالب عليها هو الطابع السلمي، مثلما كان الغالب الاعم عليها هو الروح المطلبي، ازالة غبن او زيادة رواتب او تعيين او تحسين خدمات او توفير خدمات غير موجودة اصلاً او مساواة الرجل بالمرأة الى آخر تلك الطلبات البسيطة، وهذا المشهد السياسي الجماهيري ما كان له ان يتحقق لولا صدر الحكومة الرحب والتزامها بمبادئ الحرية والديمقراطية التي كفلها الدستور العراقي الذي وصفه أحد الساسة الاميركان بأنه الافضل على مستوى العالم!!
من الطبيعي جداً ان تتشكل بعد كل تظاهرة -وبالذات اذا كانت ضخمة- لجان للتفاوض بين ممثلين عن السلطة التنفيذية وممثلين عن المتظاهرين، واصبح من الطبيعي كذلك ان نسمع بعد انتهاء المفاوضات الكثير من التصريحات المفرحة والوعود والاستجابات والموافقات ما يدعو الى اطلاق الزغاريد واقامة الدبكات العربية-الكردية من باب التأكيد او الرد على من في قلبه شك بأن اقليم كردستان هو جزء من جمهورية العراق.... ولكن اللافت للنظر حقاً ان هذه التظاهرات السلمية المطلبية لا تلبث ان تعود الى الساحات والشوارع بعد شهرين او ثلاثة على (التصريحات والوعود والموافقات) بصورة اوسع واقوى وهو الامر الذي جعل الناس تدركُ بان شيئاً لم يتحقق على ارض الواقع، فلا تعيينات ولا خدمات صالحة للاستهلاك البشري وان ما تحقق من (اطنان) الوعود والموافقات والتصريحات يقاس (بالكيلو غرامات)، ولهذا كان من المنطقي ان تلتهب الساحات والشوارع من جديد  بصورة اوسع واقوى الى الحد الذي يمكن ان يقود الى صدامات بين (المتظاهرين والقوات الامنية)، ولا بد ان  تعرُّضَ أي فرد من الطرفين ولو بخدش هو أذى مرفوض لمواطن عراقي لا يمكن قبوله او السكوت عليه.
بدافع روح المواطنة العالية أتوجه الى اخواني وابنائي واحفادي المتظاهرين بهذه النصيحة علّها تقف حائلاً يمنع هدر قطرة دم واحدة، لأنها عراقية.. ومن هنا اقول: يا سادتي المتظاهرين رجالكم ونساءكم وشبابكم وشيوخكم، لقد جربتم بأن التظاهرات المطلبية لا توفر لكم لقمة خبز ولا فرصة عمل، ولن تحصلوا من ورائها على شيء غير صوت مبحوح او قميص ممزق او ساق مجروح .. فما الحل؟
الحل هو ان تخرجوا يوم الجمعة بتظاهرة ترفع أعلام العراق الزاهية وهي تهتف بحياة النظام السياسي وانجازات الحكومة، ويوم السبت بتظاهرة مماثلة تهتف بحياة الوزراء وخدماتهم الجليلة، ويوم الاحد بتظاهرة  لوكلاء الوزارات، والاثنين للدرجات الخاصة والثلاثاء للبرلمان والاربعاء لأثرياء القطاع الخاص ويوم الخميس استراحة، وبذلك تكونون قد كسبتم رضا الجميع وشجعتموهم على ان يوفروا بدل فرصة العمل الواحدة الف فرصة، أما اذا ركبتم رؤوسكم، فان الديمقراطية ستضطر الى الكشف عن وجهها و (آسف الى هنا انتهى المجال المخصص للنشر!).